كشفت تقارير دولية أن النظام الخليفي يستهدف شراء ناديا إيطاليا في إطار التبييض الرياض لتحسين صورته والتغطية على فساده وانتهاكاته.
وأوردت وكالة رويترز الإخبارية عن دخول شركة “إنفستكورب” للاستثمارات الدولية المملوكة من العائلة الخليفية الحاكمة في البحرين في محادثات متقدمة نادي إي سي ميلان الإيطالي لكرة القدم.
وأوضحت الوكالة أن الصفقة التي تبلغ قيمتها نحو مليار دولار على وشك الاكتمال.
يأتي هذا التوجه لشراء الأندية الرياضية في سياق سياسات العائلة الخليفية لتبييض انتهاكاتها لحقوق الإنسان عبر مابات يعرف بغسيل الرياضة. وسبق للعائلة الخليفية ان اشترت نادي قرطبة الإسباني.
وتواجه الأندية أو المؤسسات التي تتعامل مع سلطات البحرين اتهامات بغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد ووضع الأرباح التجارية فوق المصالح.
وكانت آخر حلقة في هذا السياق الانتقادات التي تعرضت لها شركة فورمولا 1 لسباقات السيارات التي تنظم سباقاتها كل عام في البحرين رغم الاعتراضات الدولية والمحلية.
والشهر الماضي أبرزت مؤسّسة فَنَك Fanack الواقع المتدهور لحقوق الإنسان في البحرين بين الانتهاك الممارس من النظام الخليفي ومحاولات التبييض.
وقالت المؤسسة إن للبحرين سجلا واسعا في انتهاك حقوق الإنسان، وتعد نموذجاً لمختلف صنوف القمع والاضطهاد الديني والسياسي والثقافي. كما أنها معروفة برفضها لطلبات المنظمات الحقوقية والدولية لوقف العنف والقمع والانتهاكات الحقوقية.
في كتابه “القمع السياسي في البحرين في مئة عام”، يقول الدكتور مارك أوين جونز، الأستاذ المساعد في دراسات الشرق الأوسط والعلوم الإنسانية الرقمية في جامعة حمد بن خليفة: “إنّ النظام القانوني في البحرين أصبح أداة قمع شاملة على نحو متزايد، على الرغم من التوحيد القياسي المتزايد للقوانين التي تم سنّها في كثير من الأحيان كإجراءات بأثر رجعي للسيطرة على المعارضة. كما تم التحقيق في مدى الإفلات من العقاب كعامل تمكين للقمع وإبرازه”.
كما يفصّل تطور القدرة القمعية وأساليب الخدمات الأمنية في البحرين. ويركز بشكل خاص على الشرطة، التي تتوافر عنها معظم البيانات التاريخية والحالية.
صادقت البحرين على الميثاق العربي لحقوق الإنسان عام 2006، ودخل الميثاق حيز التنفيذ في 15 مارس 2008. واعتمدت البحرين القوانين التي تجعل من التعذيب غير قانوني.
وينص دستورها على أنه: “لا يجوز إخضاع شخص للتعذيب المادي أو المعنوي، أو الإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة”. ولا يجوز للمدعى عليه أو الشخص المتهم بارتكاب جريمة “أن يتضرر جسدياً أو عقلياً”.
واتخذت البحرين إجراءً، في استجابة لتوصيات لجنة تقصي الحقائق في عام 2011، حيث تم إدخال بعض التحسينات على القوانين التي تحكم موضوع التعذيب.
وعلى سبيل المثال، يتضمن المرسوم الملكي رقم 52 لسنة 2012 تعديل تعريف التعذيب بموجب القانون الجنائي لتتناسب مع تعريف المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب.
على الطرف الآخر، في تقرير مُعد من قبل مركز الخليج لحقوق الإنسان، عام 2017، بعنوان: “التعذيب والإكراه الجسماني والانتقام في البحرين يناقضون التعهد بالإصلاح”، يتم ذكر لمحة عامة عن قضايا حقوق الإنسان في البحرين، عقب احتجاجات عام 2011.
من جملة تلك الحالات يمكن ذكر: حالة عبد الهادي خواجة، المؤسس المشارك والرئيس السابق لمركز البحرين لحقوق الإنسان والمدير المؤسس لمركز الخليج لحقوق الإنسان.
وكان خواجة قد تعرّض للتعذيب الجسدي والنفسي والجنسي على أيدي قوات الحكومة. وعانى من إصابات شديدة بحيث استلزم تركيب 36 مسمار جراحي و18 لوح معدني في وجهه لتثبيت فكه.
ومن الحالات الأخرى ما حصل مع مريم خواجة العاملة مع منظمة البحرين ووتش والمستشارة الخاصة لمركز الخليج لحقوق الإنسان. وجرى اعتقال خواجة عام 2014 بظروف ومعاملة غير إنسانية.
ومن الحالات الأخرى حالة زينب الخواجة وناجي فتيل وغادة جمشير وحسين جواد ونبيل رجب ونزيهة سعيد المذكورة في التقرير.
كما يشمل تقرير مركز الخليج لحقوق الإنسان في فصوله: تفاصيل الاعتداءات على الحقوق المدنية والسياسية، والانتقام بسبب التعبير عن المعارضة، والحرمان من إجراءات التقاضي السليمة والحق في المحاكمة العادلة، والاستهداف الممنهج للمدافعين عن حقوق الإنسان.
كما لا يمكن نسيان حالة الأكاديمي والمدون البحريني عبد الجليل السنكيس الذي ما يزال معتقلاً على نحوٍ غير قانوني بحكم مدى الحياة.
السنكيس مدوّن وأكاديمي والرئيس السابق لقسم الهندسة الميكانيكية بجامعة البحرين. وكان المتحدث الرسمي ورئيس مكتب حقوق الإنسان لحركة حق للحريات المدنية والديمقراطية في وقت اعتقاله سنة 2011.
وهو جزءٌ من مجموعة السجناء التي تعرف باسم “البحرين13″، الرائدة في الدفاع عن حقوق الإنسان والنشطاء الذين تم اعتقالهم من قبل الحكومة البحرينية لدورهم في الاحتجاجات السلمية عام 2011. ويقضي حالياً حكماً بالسجن مدى الحياة بناء على أمرٍ من المحكمة العسكرية.
أعلن السنكيس إضرابه عن الطعام عدة مرات، منها في 21 مارس 2015 احتجاجاً على العقاب الجماعي والتعذيب والممارسات المهينة، فضلاً عن تدهور الأوضاع العامة في السجن.
يخوض السنكيس الآن إضراباً منذ الثامن من يوليو 2021 احتجاجاً على سوء المعاملة، وللمطالبة بإعادة بحثه الأكاديمي الذي أعدّه خلال السنوات الأربع التي قضاها في السجن، بعد مصادرته.
قابلت البحرين كل الدعوات السابقة بآذان صماء. وفي نهاية الشهر المنصرم ناشدت 27 منظمة حقوقية دولية عدداً من القادة الدوليين للتدخل لدى سلطات المنامة للإفراج “الفوري” و”غير المشروط” عن السنكيس.
كما دعت المنظمات، ومنها منظمة العفو الدولية والمركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان، القادة الدوليين إلى المطالبة بإطلاق سراح “جميع المسجونين بسبب ممارسة حقهم في حرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي والرأي والتعبير، بما في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء المعارضة والصحفيون”.
يوازي ذلك توقيع 63 نائباً بريطانياً من مختلف الأحزاب والاتجاهات السياسية عريضة في 11 يناير لهذا العام. تعبّر، بحسب نصها المنشور على موقع البرلمان البريطاني على شبكة الإنترنت، عن “قلق المجلس من استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في البحرين، بما في ذلك الاعتقال التعسفي المستمر والمعاملة اللاإنسانية لسجناء الرأي”.
وذكّرت العريضة بأنّ “فريدوم هاوس” قد صنّفت البحرين في تقريرها لعام 2021 على أنها دولة غير حرة، وأنها تحتل المرتبة 150 من بين 167 دولة في مؤشر الديمقراطية العالمية لعام 2020، والمرتبة 168 من أصل 180 في المؤشر العالمي لحرية الصحافة لعام 2021.
وتحث العريضة الحكومة البحرينية كذلك على “إطلاق سراح جميع سجناء الرأي، وتمكين ممثلي المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان من العمل بحرية، والسماح بمعارضة سياسية حقيقية، ووسائل إعلام مستقلة، وإنهاء استخدام عقوبة الإعدام”.
إضافة إلى “إطلاق حوار موضوعي وشامل داخل البلاد حول الإصلاح السياسي والدستوري، والتعاون مع منظمات حقوق الإنسان والخبراء، بما في ذلك من الأمم المتحدة”، وإجراء “تقييم مستقل لأوضاع السجون وأجندة الإصلاح”.
ليست بريطانيا فقط التي تطالب بوقف الانتهاكات. تراقب وزارة الخارجية الألمانية أيضاً “وضع حقوق الإنسان في البحرين عن كثب”.
جاء التعبير السابق على لسان وزير الدولة في الخارجية الألمانية توبياس ليندنر، بردّه على النائبة في البرلمان الألماني مارتينا إنغلهاردت كوبف.
وقد وجهت النائبة رسالة إلى الخارجية الألمانية تتعلق بوضع حقوق الإنسان في البحرين، ووضع المعتقل السياسي عبد الجليل السنكيس.
وقال وزير الدولة إنه يتم التطرق لقضايا حقوق الإنسان بصفة عامة وللحالات الخاصة خلال المحادثات مع الحكومة البحرينية.
من جانبه، طالب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي بن كاردين بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الأكاديمي والناشط الحقوقي البحريني المعتقل عبد الجليل السنيكس.
ونشر عبر تويتر: “لا يجوز احتجاز أي شخص خلف القضبان لممارسته الحقوق المكفولة دوليًا في حرية التعبير وتكوين الجمعيات”. كما طالب بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين في البحرين.
شارك البرلمان الأوروبي في هذه المطالبات أيضاً، حيث وجّه 12 عضواً في البرلمان الأوروبي رسالة مشتركة إلى جوزيب بوريل، المبعوث السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، عبّروا فيها عن قلقهم الشديد إزاء القمع الممنهج الذي تمارسه السلطات في البحرين ضد معارضيها.
وأشار النواب في رسالتهم إلى الظروف السيئة لزعيم المعارضة السياسية في البحرين السجين حسن مشيمع، والمعارض السياسي الدكتور عبد الجليل السنكيس.
ليست هذه المطالبات الدولية جديدة، بل هي موجودة من قبل أمام الانتهاكات التي يتم ارتكابها في البحرين، وقد امتدت المطالبات في إبريل العام الفائت إلى فرنسا وإسبانيا.
هل ستستجيب السلطات البحرينية إلى كل تلك المطالبات الدولية، أم ستلجأ إلى تبييضها كما فعلت بالانتهاكات التي ارتكبتها عام 2021؟
تمّت في 2021 تبرئة مسؤولي السجن من الانتهاكات المرتكبة بحق الدكتور عبد الجليل السنكيس. منذ إصدار الملك حمد بن عيسى آل خليفة لقانون العدالة الإصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة في 15 فبراير 2021 ودخوله حيز التنفيذ في 18 أغسطس 2021 لم تظهر آثاره على صعيد وقف الانتهاكات وسوء المعاملة التي يتعرض لها صغار المحكومين في الحوض الجاف.
واستمرت بشكل ملحوظ عمليات الاعتقال التعسفية التي طالت عدد من القاصرين لاسيما مع بداية شهر سبتمبر 2021، ومنهم أطفال لم يتجاوزوا السادسة عشر من أعمارهم.
وعمدت السلطات إلى تبييض الانتهاكات وسوء المعاملة التي يتعرض لها صغار المحكومين من قبل المؤسسات التي يفترض أنها معنية بالمراقبة والتحقيق في تلك الانتهاكات وتوفير الحق في أفضل معاملة للسجناء، وذلك عبر وسائل عديدة.
ولم يمر وقت طويل على آخر انتهاك ارتكبته السلطات البحرينية حتى أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية أن السلطات البحرينية تحتجز 6 أطفال تتراوح أعمارهم بين 14 و15 عاماً في دار للأيتام بالبحرين.
وقال المدير المشارك في قسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش بيل فان إسفلد إن البحرين روّجت العام الماضي لإصلاحاتها القانونية الخاصة بالأطفال، لكن حبس أطفال في دار للأيتام تعسف لا يمثل تحسناً.
وأضاف أن معاملة هؤلاء الأطفال بمثابة اختبار لاحترام حقوق الطفل في البحرين، وأن السلطات البحرينية فشلت في هذا الاختبار. فهل سوف تستمر البحرين في فشلها وصم أذنيها عن النداءات؟