أثار إصدار قانون الصحافة والإعلام الإلكتروني رقم (41) لسنة 2025 في البحرين، ردود فعل قوية من منظمات حقوقية وصحفية، أبرزها رابطة الصحافة البحرينية باعتباره تعزيزا للقمع والرقابة الرقمية.
ويُعتبر هذا القانون محاولة لتقنين الرقابة الحكومية على الصحافة والإعلام الرقمي، مع إعادة إنتاج أدوات السيطرة القديمة بصياغة قانونية حديثة تتلاءم مع الفضاء الرقمي، ما يشكل انتكاسة حقيقية للحريات الإعلامية في البلاد.
أول ما يلفت الانتباه في القانون هو توسع رقابة الدولة لتشمل الإعلام الإلكتروني ومنصات التواصل الرقمي، وهو ما يُحوّل الفضاء الرقمي، الذي كان متنفسًا نسبيًا للمجتمع المدني والناشطين، إلى بيئة خاضعة لموافقة مسبقة وإشراف إداري صارم.
فقد أعادت المواد (16) و(22) فرض الترخيص المسبق كمطلب أساسي لمزاولة أي نشاط صحفي أو إعلامي، سواء في الطباعة أو النشر الإلكتروني.
وترخيص مسبق كهذا يتعارض مع المعايير الدولية، إذ يُعدّ شكلاً من أشكال المنع الوقائي، ويمنح السلطات صلاحيات واسعة لاستبعاد المبادرات المستقلة، خاصة تلك المنصات الصغيرة التي قد لا تملك الموارد الاقتصادية لتلبية شروط الترخيص.
أحد أبرز الجوانب المقلقة في القانون هو استخدامه صياغات فضفاضة مثل “المصلحة الوطنية” و”التعرّض”، بدلًا من مصطلحات محددة كالتحريض على العنف، ما يوسّع دائرة التأويل الجنائي ويتيح للسلطات الملاحقة على أسس غير دقيقة.
إضافة إلى ذلك، يبقي القانون الإحالة العامة إلى “أي عقوبة أشد في قوانين أخرى”، ما يعني أن حذف الحبس المباشر لا يغيّر الواقع، بل يتيح للملاحقة الجنائية عبر قانون العقوبات أو قانون الإرهاب، ويُبقي الصحفيين تحت تهديد مستمر بعقوبات سجنية مغلظة.
كما يوسع القانون من أدوات الرقابة الإدارية، بما في ذلك الحق في الإيقاف المؤقت، والحجب، والمصادرة الإدارية للمحتوى، بل وإمكانية تعطيل الصحف أو المواقع لمدة تصل إلى سنة كاملة، أو إلغاء التراخيص قبل صدور حكم قضائي نهائي. هذه “عقوبات مسبقة” تتناقض مع مبدأ البراءة وحقوق الدفاع الأساسية، وتحوّل القانون إلى أداة للسيطرة الرقمية والرقابة الشاملة قبل أي تحقيق قضائي.
من ناحية أخرى، تمنح المواد (84) و(85) وزارة الإعلام صلاحية توجيه الإنذارات للصحف والمواقع وإلزامها بنشر نصوص الإنذار، ما يعني تدخلًا مباشرًا في السياسة التحريرية، ويتيح للسلطة تنفيذ العقوبات الإدارية على أساس مبادئ فضفاضة مثل “التعرض للمصلحة الوطنية”.
ويشكل هذا تعميمًا للرقابة على أي شكل من أشكال النقد السياسي أو الممارسة الصحفية المستقلة، ويعيد إلى الأذهان “الخطوط الحمراء” التي كانت مفروضة على الإعلام منذ عقود.
بالنظر إلى السياق الدولي، فإن القانون يتعارض مع المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي تشترط أن تكون القيود على حرية التعبير محددة بدقة، وضرورية، ومتناسبة مع غاية مشروعة.
ويفتح استخدام مصطلحات عامة وغير محددة الباب أمام الممارسات التعسفية ويقوض الحماية القانونية للصحفيين. كما أن فرض عقوبات مالية عالية تصل إلى خمسة آلاف دينار قد يُجهز على المنصات الصغيرة ويزيد من التمييز السياسي والإداري في منح أو سحب التراخيص.
إن فلسفة الترخيص المسبق وتوسيع الرقابة إلى المنصات الرقمية يعكس محاولة السلطة لإحكام السيطرة على كل المنافذ الإعلامية، بما فيها وسائل الإعلام المستقلة، ويعيد إنتاج نموذج الرقابة القديمة بطريقة رقمية حديثة.
كما أن القانون يعزز الطابع الأمني للصحافة، حيث يُخنق أي مساحة للنقد أو النقاش العام، ويجعل الصحفيين تحت تهديد دائم بالإغلاق أو العقوبة الجنائية، سواء عبر القانون الجديد أو القوانين الأخرى الموازية.
في المحصلة، يمثل القانون الجديد أداة أشد وطأة على حرية التعبير في البحرين، إذ يشرعن الرقابة المسبقة، ويكرس سلطة الدولة على الفضاء الإعلامي الرقمي، ويقيد قدرة الصحفيين والمواطنين على ممارسة حقهم في التعبير بحرية وأمان. كما يعكس القانون اتجاه البحرين نحو تقويض استقلال الإعلام، وتحويل الفضاء الرقمي إلى امتداد للرقابة التقليدية، ما يعيق دور الصحافة في مساءلة السلطات والمساهمة في تعزيز الشفافية والمساءلة.
وتدعو رابطة الصحافة البحرينية المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإعلامية إلى مراقبة تداعيات القانون، والضغط على السلطات لمراجعته بما يتوافق مع المعايير الدولية لحرية التعبير، وضمان بيئة إعلامية مستقلة وآمنة للصحفيين.
وتؤكد الرابطة أن حماية حرية الكلمة والنقد والمساءلة ليست تهديدًا للأمن، بل حجر الأساس لدولة القانون والمؤسسات، وأي تشريع يهدف إلى تكميم الأفواه يعمّق أزمة المشهد الإعلامي والسياسي في البحرين، ويقوّض الثقة بين الدولة والمجتمع المدني.
وبالمحصلة فإن هذا القانون، في جوهره، يمثل مرحلة جديدة من قمع الصحافة، ويضع البحرين في خانة الدول التي تستخدم التشريعات الحديثة لتشديد الرقابة واحتكار المجال العام، بدلًا من تعزيز الحريات وحقوق المواطنين.
