أبرزت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، استخدام النظام الخليفي التطبيع مع إسرائيل واتفاقيات أبراهام ضمن استراتيجية طويلة الأمد لإضفاء الشرعية على الإفلات من العقاب.
وقالت المنظمة في تقرير لها إن توقيع النظام الخليفي على اتفاقيات أبراهام في عام 2020، كان مجرد واحدة من الكثير من المحاولات التي بذلتها الحكومة البحرينية للحفاظ على الوضع الراهن من خلال التَّصديق الأجنبي.
إذ على مدى عقود تواصلت البحرين مع جهات فاعلة أجنبيَّة من أجل ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب المتفشية في البلاد بشكلٍ مباشر وغير مباشر.
وذلك في ظل استمرارها في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فضلاً عن قمع الحريَّات واستخدام القوة غير المتناسبة ضد مواطنيها.
الواقع أن الدعم السياسي الذي تلقته الحكومة البحرينية من جيرانها والقوى الغربيَّة كان سببا في تهميش القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان.
بما في ذلك الانتهاكات المستمرة التي ترتكب ضد الناشطين السياسيين.
ففي عام 2011، طلبت البحرين أيضا دعما عسكريا مباشرا من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لقمع الاحتجاجات السلمية.
وانتهى الأمر بالجنود والضباط السعوديين والإماراتيين إلى ارتكاب انتهاكات مختلفة ضد المتظاهرين. وعلاوة على ذلك، كثيرا ما استخدمت البحرين الأحداث الدولية والاتفاقات السياسية من أجل تشتيت الانتباه عن الانتهاكات الجسيمة التي يواجهها السجناء السياسيون والمواطنون العاديون بوجه عام في البلاد.
فقد شرع قادة البلاد في القيام بزيارات دولية إلى بلدان أخرى من أجل ترسيخ حكمهم. كما اتسع هذا الجهد ليشمل مشاريع أخرى بما في ذلك الرياضة.
على سبيل المثال، استخدمت البحرين أحداث الفورمولا واحد التي تستضيفها البلاد كأداة لغسل صورتها باللون الأبيض، في حين عملت أيضا على إدامة تجاهل البلاد لحقوق الإنسان.
وفي ذات الوقت، كانت الحكومة تضيق الخناق على الناشطين الذين انتقدوا السباق لتجاهلهم الانتهاكات التي ارتكبت. وفي عام 2017 اعتقلت نجاح يوسف لانتقادها استضافة الحدث في البحرين، وأطلق سراحها فيما بعد.
كما استخدمت البحرين الاتفاقيات الدولية والعلاقات المتعددة الأطراف للحفاظ على نفسها ضد أي تداعيات محتملة على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، مع الاتفاق الدولي الأخير الذي استمر في دائرة الانتهاكات ضد المعارضة السياسية والنشاط في البحرين، وهو اتفاق أبراهام.
لقد سمحت اتفاقيات أبراهام في عام 2020 للبحرين بإقامة علاقة ثنائية مع إسرائيل رسمياً، على جبهات مختلفة، بما في ذلك على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية.
وأدى هذا الاتفاق إلى تعزيز قوة الحكومتين وتيسير استمرار أنشطتهما القمعية، وكانت الجبهة الأكثر أهمية في هذا السياق الاعتداء الذي تعرض له الناشطون في البحرين.
العواقب السياسية والاقتصادية
على الصعيد السياسي، كان قرار التوقيع على الاتفاق، الذي أيدته الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، سبباً في تعزيز موقف الأسرة الحاكمة وتعزيز الوضع الراهن للمعارضة المكبوتة في البحرين، وهو القرار الذي أدان الاتفاقية بشدة.
على الصعيد الاقتصادي، بعد أن استضافت البحرين مؤتمر عام 2018 حول خطط ترامب الاقتصادية في الشرق الأوسط، تعهد جيرانها بتقديم أكثر من 10 مليار دولار في هيئة مساعدات إلى البحرين.
وقد اتفقت إسرائيل والبحرين على إطار للتعاون الاقتصادي يتناول تطوير العلاقات الاقتصادية وتشجيع حرية حركة السلع والخدمات بين البلدين، مع الاستفادة من الفوائد الاقتصادية المتوقعة على المعارضة الشعبية للاتفاقات.
تعزيز الدولة الأمنية
مع إحكام قبضتها على البلاد، لجأت إلى أشكال متطرفة من المراقبة والحملة ضد الناشطين ولهذا الغرض، استخدمت مختلف التكنولوجيات والأساليب لممارسة رقابة قوية على أي معارضة محتملة.
وتلك الأساليب والأدوات التي استخدمتها البحرين انبثقت عن الاتفاق الجديد مع إسرائيل الذي خوّلها الحصول على التكنولوجيات العسكرية والأمنية الإسرائيلية.
وأدت هذه البرمجيات الاستخباراتية والتقنيات المتقدمة إلى تحويل البحرين إلى أوراق مالية أكثر، وبالتالي المزيد من الانتهاكات.
وتعتبر البحرين من بين أكثر البلدان التي تتمتع برقابة مشددة، وقد سجلت أعلى معدل للسجن الجماعي في الشرق الأوسط. واستخدمت الحكومة هذه المعلومات لضمان القضاء على أي معارضة.
أظهرت تقارير مختلفة أن البحرين استخدمت هذه التقنيات الجديدة، وخاصة برمجيات التجسس الإسرائيلية بيغاسوس، لمراقبة النشطاء البحرينيين والصحافيين والسياسيين.
وحتى هذا التاريخ، أفيد بأن السلطات ترصدت هواتف تسعة ناشطين عن طريق بيغاسوس. ومن بين الأشخاص المستهدفين المحامي محمد التاجر، وفقا لما ذكرته منظمة العفو الدولية.
وكان التاجر ينتقد الحكومة ويمثل عائلات ضحيتين توفي بعد تعذيبهما من قبل قوات الأمن. فضلاً عن ذلك فإن الحكومة البحرينية لم تستهدف الناشطين والصحافيين فحسب، بل استهدفت أيضا مسؤولين مقربين من الحكومة.
وهو بيان واضح عن تحويل الديون إلى أوراق مالية متطرفة لجأت إليه الحكومة منذ عام 2011. بالإضافة إلى ذلك وعقب الاتفاق، تشكلت علاقات مباشرة بين مختلف الوكالات الحكومية في البلدين.
على سبيل المثال، كانت وزارة الداخلية تناقش التعاون الأمني وتبادل الخبرات بين البلدين وتشكل هذا التعاون المباشر الذي أنشأه مكتب الأمن الاستراتيجي والمخابرات الإسرائيلية للحد من التهديدات المفترضة التي تسببها المعارضة.
وكثيرا ما كانت هذه التهديدات توصف بأنها تحت بند “الإرهاب”، حيث تستخدم الدولة البحرينية قوانين مكافحة الإرهاب ضد الناشطين في إصدار أحكام طويلة الأجل وكثيرا ما يتعرض الأفراد الذين يحاكمون بموجب هذه القوانين إلى إجراءات صارمة ومحاكمات غير عادلة فضلا عن التعذيب من أجل الحصول على اعترافات.
قمع الاحتجاجات الشعبية
قوبلت الخطوة نحو توقيع اتفاقات أبراهام بمقاومة شديدة من جانب المواطنين البحرينيين.
وقعت 17 منظمة من منظمات المجتمع السياسي والمدني فضلا عن المنظمات المهنية ومنظمات العمل، بيانا شجبوا فيه الاتفاق.
وفي عام 2020، وبعد أن انتقد بعض المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين الحكومة لقرارها، أصدرت الحكومة مرسوما يحدد حجم ما يمكن أن ينتقده المسؤولون المنتخبون من سياسة الحكومة.
فقد منع المرسوم المشرعين من إلقاء الخطب في البرلمان البحريني التي تحتوي على “الانتقادات أو اللوم أو الاتهام أو تتضمن التصريحات التي تنتهك الدستور أو القانون أو تنتهك كرامة الأشخاص أو المؤسسات أو تضر بالمصلحة العليا للبلاد”.
وعلاوة على ذلك، أغلقت السلطات البحرينية البث المباشر لندوة عبر الإنترنت نظمتها جمعية الشباب الديمقراطي البحرينية في مايو 2020 بسبب انتقادها لآفاق التطبيع الخليجي مع إسرائيل، بعد دقائق فقط من بدئها.
احتشد كل من النخب البحرينية وعلماء الدين والجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني ضد هذه الخطوة. واستخدم بعضهم الإنترنت وأطلق حملة على الإنترنت أصبحت رائجة في البلاد ونزل آخرون إلى الشارع، وجرت المظاهرات في مختلف أنحاء البلاد بعد الإعلان عن الاتفاق.
وعبّر المتظاهرون عن تأييدهم للقضية الفلسطينية ورفضوا التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
ومرة أخرى ردت الحكومة بعنف على هذه الاحتجاجات وبعد اندلاع الاحتجاجات السلمية التي عارضت العلاقة القائمة حديثا مع إسرائيل، ردت الحكومة بحملة صارمة عنيفة ضد المتظاهرين.
واستخدمت الغاز المسيل للدموع ضد هذه الاحتجاجات السلمية واعتقلت بعض المشاركين.
وفي ديسمبر 2021، سجل منتدى البحرين لحقوق الإنسان انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها الحكومة ضد البحرينيين الذين عارضوا اتفاقيات أبراهام، حيث احتجز 13 شخصا تعسفيا واستدعي ستة آخرون في أكتوبر 2021.
على سبيل المثال، أجبر علي مهنا على توقيع تعهد بعدم المشاركة في أي احتجاجات مستقبلية، لكنه بقي صامدا في معارضته للاتفاق، مما أدى إلى سلسلة متكررة من الاستدعاءات والاعتقالات.
واستمرت الإجراءات الصارمة العنيفة التي اتخذتها السلطات ضد المتظاهرين السلميين، وفي الفترة من 13 إلى 16 يونيو 2022، اعتقلت السلطات البحرينية 6 شباب من عالي، ثلاثة منهم قاصرون.
وبعد أن خرجت احتجاجات معارضة للاتفاق، اعتقلت السلطات هؤلاء الأشخاص الستة، ومن بينهم يوسف أحمد كاظم وجعفر حبيب كاظم وسيد علي حسن وحسين عرفات نيسر.
والواقع أنهم اعتقلوا تعسفا لمجرد التعبير عن آرائهم في احتجاج سلمي. كما اتهموا بتصنيع وحيازة أوعية قابلة للاشتعال، إلى جانب المشاركة في تجمع غير قانوني.
وقد أدانت المحكمة الجنائية العليا الأولى هذه الجرائم وحكمت عليها غيابيا في 31 مايو 2022 بالسجن لمدة سنة مع فرض غرامات.
غير أن انتهاكات عديدة حدثت أثناء العملية حيث أنكر حقه في تعيين محام، وحكمت عليه غيابيا، واستجوب من دون حضور محام أو وصي.
وأكدت المنظمة الحقوقية أن الانتهاكات التي ارتكبتها البحرين في القضية المذكورة أعلاه تمثل مدى استمرار الانتهاكات التي يتعرض لها النشطاء.
كما يحاكم محتج بارز، عبد المجيد محسن، البالغ من العمر 68 عاما، في ما يتعلق بمشاركته في تلك المظاهرات، بعد تكرار استدعائه للاستجواب.
وأضفت الحكومة الشرعية على هذه الحملة الصارمة من خلال تصنيف أي نوع من المعارضة بأنه مدعوم من إيران، الأمر الذي سمح بتجريم حقوق البحرينيين في حرية التعبير والتجمع حول قرار الدولة المدانة بشدة؛ ويمكن أن يتعلق هذا الخطاب بالتصاعد في محاكمة الناشطين بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
إن اتفاقية أبراهام، على الرغم من أن الحكومة البحرينية تنظر إليها على أنها فرصة للتمكين السياسي والتقدم الأمني والتنمية الاقتصادية، جعلت المجال السياسي البحريني أقل تمثيلا للشعب، الذي يواجه الآن مخاطر أكبر من اضطهاد الدولة إذا ما عبّر بحرية عن إدانته للاحتلال الإسرائيلي.
هذا يوضح كيف استخدمت البحرين مرارا المعاهدات الدولية وعلاقاتها لإدامة حكمه القمعي والاستبدادي واستغلت الحكومة البحرينية هذه الاتفاقات لمواصلة سياستها الرادعة ضد الناشطين.
وانتقمت الحكومة من الاحتجاجات السلمية، من خلال ارتكاب مختلف أعمال العنف والانتهاكات. ينبغي إدانة هذا السلوك، الذي ينتهك حقوق الإنسان الأساسية والقانون الدولي، وإثارته كمصدر قلق لجميع الجهات المعنية.