لا يزال أطفال البحرين ضحايا للاعتقال التعسفي دون سند قانوني في ظل إصرار السلطات على نهج القمع وسحق الحريات على الرغم من الإدانات الدولية المتكررة لتلك الانتهاكات.
وأقدمت عناصر أمنية تابعة لوزارة الداخليّة البحرينيّة، على اعتقال خمسة أطفال من “جزيرة سترة”، بعد استدعائهم للنيابة العامة في الساعات الأخيرة.
وقالت مصادر حقوقية ل”بحريني ليكس”، إن الأطفال الخمسة هم محمد جعفر الكويتيّ (15 عاما)، ومقتدى جعفر الكويتي (15 عاما)، ومنتظر جعفر الكويتيّ (14 عاما)، وأحمد فاضل أحمد حبيل (15 عاما) ومحمد عبد الزهراء منصور (15 عاما).
وكانت منظّمة هيومن رايتس ووتش الدولية ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية، أشارا إلى تعرّض الأطفال المعتقلين للضّرب والتهديد بالاغتصاب والصّعق بالكهرباء.
وأوضحت المنظمتان أن هذه الانتهاكات وقعت بتسهيلٍ من النيابة العامّة والقضاة، إذ رفضت النيابة والداخليّة البحرينيّة حضور والدَيْ الأطفال أو محاميهم أثناء الاستجواب، رغم أنّ أعمارهم تتراوح بين 11 و17 عامًا، بينما أمر القضاة باعتقالهم من دون داعٍ – بحسب البيان.
كما سبق أن استنكر الاتحاد العربيّ لحماية الطّفولة، اعتقال السّلطات البحرينيّة لعددٍ من الأطفال ومحاكمتهم، وطالب بالإفراج عنهم.
وأكد الاتحاد أن هذه الاعتقالات والمحاكمات تخالف القانون الدوليّ واتفاقيّة الطّفل الدوليّة التي وقّعتها البحرين، وتجرّم هذا السلوك.
وفي السياق دانت منظّمة العفو الدوليّة سياسة الاعتقالات والاستهداف الممنهج، التي تمارسه السّلطات البحرينيّة ضدّ الأطفال، وجدّدت مطالبتها السّلطات باحترام المواثيق والقوانين الدوليّة المتعلّقة بحقوق الأطفال، والتي سبق أن وقّعت عليها.
والشهر الماضي كشف منتدى حقوق الإنسان عن توثيق حقوقي صادم للانتهاكات ضد الأطفال في البحرين بحيث تجاوزت 655 انتهاكاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
ونشر منتدى البحرين لحقوق الإنسان في اليوم العالمي للطفل، إحصائيات تظهر جانباً من الانتهاكات الجمّة التي مارستها السلطات السياسية بحق الأطفال لأسباب سياسيّة، خلال الفترة الممتدة من أول 2018 لنهاية الشهر السادس من 2021.
وقال مسؤول من منتدى البحرين لحقوق الإنسان إنّه خلال السنة والنصف الأخيرة تحديداً من تاريخ 01 يناير / كانون الثاني 2020 لغاية 30 يونيو / حزيران 2021 بلغ عدد الاستدعاءات الأمنية للأطفال (15) حالة.
وأشار المسؤول إلى تفاصيل الإحصائية التي عمل عليها المنتدى، وبحسب الأرقام، فقد بلغ المجموع الكلّي لعدد الانتهاكات التي مورسَت بحق الأطفال خلال هذه الفترة، (655) انتهاكًا.
وتوزعت هذه الانتهاكات، على الشكل التالي: الاستدعاءات (15) حالات الاختفاء القسري (51) حالة، حالات التوقيف (322) حالة، عدد الأحكام التعسّفيّة (93) حالة، مجموع عدد الانتهاكات في السجون (87) حالة تتوزّع على الشكل التالي: التعذيب (8) حالات، سوء المعاملة (57) حالة، الحرمان من العلاج (7) حالات ، الحرمان من التعليم (15) حالة.
يشار إلى أن صغار المعتقلين السياسيين الموجودين في سجن الحوض الجاف، يخوضون حالياً إضراباً عن الطعام احتجاجاً على الأوضاع السيئة داخل السجن خصوصا المعاملة اللاإنسانية، والإهمال الصحي للسجناء المرضى.
انتهاكات صادمة وجسيمة
ومؤخرا كشفت وثائق وبيانات عن انتهاكات صادمة وجسيمة يتعرض لها أطفال البحرين، إذ يودعون سجن الحوض الجاف بتهم متعددة؛ كالتحريض على قلب نظام الحكم والإرهاب.
وشكّل عبد الله راشد حالة من حالات كثيرة لأطفال البحرين الذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب البدني والنفسي، ويعاملون بنفس معاملة البالغين، وتشملهم الاعتقالات العشوائية والتعذيب والإهمال الطبي في السجون والمعتقلات، رغم أن قوانين البلاد تنص على حمايتهم.
وكشفت وثائق وشهادات حلقة من برنامج “المسافة صفر” ضمن تحقيقاته الاستقصائية على قناة الجزيرة الفضائية، عن سجن الطفل راشد -الذي ينحدر من قرية وسط شمال البحرين- بعد رفضه طلب أحد الضباط بالتجسس على متظاهرين مقابل إطلاق سراح شقيقه.
وأخبر مصدر حقوقي فريق البرنامج أن الطفل تعرض لتهديدات من السلطات الأمنية في حال رفض التعاون معهم، وبالفعل اعتقلته لاحقا وأودعته سجن الحوض الجاف المخصص للأطفال المحتجزين دون 18 عاما.
وفي 28 يوليو/تموز 2020 عاقبت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة في المنامة الطفل راشد وآخرين بالسجن 3 سنوات بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية مستندة إلى تحريات الشرطة والنيابة العامة، مع العلم أنه سبق أن حُكم عليه لمدة عام بتهمة الاعتداء على موظف عام في سجن “الحوض الجاف”.
أطفال يعتقلون ويعذبون
وفي سياق الانتهاكات التي ترتكب بحق الأطفال في البحرين، اعتقلت السلطات هناك في فبراير/شباط 2021 -وتحديدا في الذكرى العاشرة لاحتجاجات عام 2011، ثلاثة عشرة طفلا واحتجزتهم بعد أن وجهت لهم تهما تتعلق بزرع قنابل مزيفة والتخريب وقطع الطرق.
في حين تؤكد جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة أنها وثقت اعتقال أكثر 1700 طفل بين عامي 2011 و2021، بينهم مهدي فرحان الذي لجأ إلى فرنسا عام 2016 بعد مُدد متفاوتة من الاعتقال كانت أولاها وهو في عمر 13.
وروى مهدي فرحان -وهو معتقل سابق في سجن الحوض الجاف، لبرنامج “المسافة صفر” كيف أنه اعتقل وأودع السجن مع أطفال آخرين دون 15 عاما، ويقول إنهم بمجرد وصولهم مركز الشرطة وضعوا تحت أشعة الشمس ساعات طويلة، كما تعرضوا للضرب والتعذيب وأرغموا خلال التحقيق على التوقيع على أوراق يقرون فيها بارتكاب أفعال لم يفعلوها أصلا.
قوانين الكبار تطبق على الصغار
وتؤكد وثائق سُربت لفريق “المسافة صفر” من تحقيقات النيابة العامة البحرينية أن أطفالا مشتبها فيهم اعترفوا فجأة بارتكاب جرائم حرق وشغب بعدما أظهرت الأوراق نفسها نفيهم ارتكاب تلك الأعمال، مما يؤكد تعرضهم لتهديدات.
كما تؤكد وثائق النيابة العامة أن التحقيقات التي تجرى مع الأطفال المشتبه فيهم تكون من دون حضور محامين، وهو ما أشار إليه دين كيفي من منظمة العفو الدولية، إذ كشف عن أن الأطفال يخضعون لمجموعة القوانين التي يخضع لها البالغون، وتحدث عن حالة طفل خضع للاستجواب والتحقيق من دون حضور والديه أو محاميه.
واشتكت والدة الطفل راشد في تسجيل من منعها من زيارة ابنها في السجن.
وتؤكد منظمة السلام للديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين أن النيابة العامة البحرينية تتعامل بعدوانية مع الأطفال، وتوجه لهم خلال التحقيقات تهما لا تتناسب مع أعمارهم؛ كالتحريض على قلب نظام الحكم والإرهاب.
كما يعتمد محققو النيابة العامة على معلومات ما تسمى المصادر السرية في إحالة الأطفال المتهمين إلى المحاكمة، وهو ما حصل مع الطفل عبد الله راشد الذي سُجن بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية رغم وجود دلائل كافية على أن تلك التهمة جاءت بعد رفضه التعاون مع جهاز الأمن البحريني.
والمفارقة أن انتهاكات حقوق الأطفال تحدث رغم أن ملك البحرين وافق في فبراير/شباط 2021 على قانون بشأن العدالة الإصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة، الذي نص على إنشاء محاكم خاصة بالأطفال ومراكز احتجاز منفصلة لهم.
أرقام
وحسب بيانات جمعها فريق برنامج “المسافة صفر” من ملفات القضايا وبيانات تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بين فبراير/شباط 2011، وأغسطس/آب 2021، فإن ما لا يقل عن 607 أطفال تعرضوا لأنواع مختلفة من العنف، منهم 259 تعرضوا للتعذيب، ثم 124 تعرضوا للإهمال الطبي في السجون ومقرات الشرطة، أما حالات الإخفاء القسري فبلغت 116 حالة، وتتوزع الحالات الأخرى بين إجراءات قانونية تعسفية والعنف أثناء الاعتقال والعنف الجنسي والتعذيب خارج السجن والحرمان من التعليم.
كما أظهرت بيانات أخرى إصابة 124 طفلا بأمراض إما داخل السجن أوتم اعتقالهم رغم مرضهم وحاجتهم للرعاية الصحية.
وكشف تحليل البيانات أيضا عن أن أكثر الأماكن التي تعرض فيها الأطفال للانتهاكات كانت سجن جو المركزي، ثم سجن الحوض الجاف الذي أنشئ حديثا لإيواء أصحاب الأحكام من القاصرين.
ويؤكد ممثل منظمة العفو الدولية أن السلطات البحرينية منعتهم من دخول البحرين لإجراء عمل ميداني منذ عام 2015.
وكشفت مصادر لفريق الجزيرة عن أن هناك 10 أطفال يقبعون في سجن جو المخصص للكبار، في حين يقبع في سجن الحوض الجاف مما يزيد على 140 طفلا موزعين على عنبرين.
وحصل فريق الجزيرة بعد محاولات متكررة على رد من الجهات الرسمية في سجن الحوض الجفاف، ونفى المتكلم وجود أطفال تحت سن 18، وشدد قائلا “ليس عندنا أطفال في سجن الحوض الجاف”. لكن الطفل هادي عبد الإمام الذي مر بتجربة الاعتقال في السجن أكد وجود عنبر مخصص لمن عمرهم بين 15 و18، وآخر مخصص للسجن الانفرادي.
كما حصل برنامج “المسافة صفر” على تسجيل صوتي من صادق جعفر، وهو معتقل سابق في سجن “الحوض الجاف” قسم صغار السن، أكد خلاله أنه قضى 4 سنوات في السجن وهو يتواجد الآن في مبنى العزل الأمني حيث المعاملة سيئة جدا.