في فضيحة فساد مدوية جديدة، كشفت مصادر المعارضة البحرينية أن النظام الخليفي استولى على أكثر من نصف موجودات صندوق التعطّل خلال خمسة سنوات.
وأبرز موقع (مرآة البحرين) المعارض أنه في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، جرى تمرير تعدي آخر من قبل الحكومة على صندوق التعطّل لتمويل تمكين بمبلغ 200 مليون دينار بحريني، ليحال مشروع القانون لمجلس الشورى الذي بدوره وافق على المشروع دون عوائق كما كان متوقعاً.
ويعود موضوع صندوق التقاعد إلى سنوات طويلة مضت، وتحديداً إلى العام 2006 حين كان يرأس وزارة العمل الوزير السابق مجيد العلوي، حينها أتت فكرة إنشاء صندوق خاص بالعاطلين يتم تمويله من رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص، باستقطاع 1٪ من رواتبهم.
وذلك على أن يدار هذا الصندوق من قبل الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، فيما وظيفة هذا الصندوق الرئيسية صرف مخصصات شهرية للعاطلين عن العمل لحين الانخراط في سوق العمل.
وقد أثار إنشاء الصندوق موجة من الاستياء لدى المواطنين الذين باتوا يخسرون 1٪ من رواتبهم شهرياً، وكأنهم يقومون بدفع ضرائب للحكومة، لكن استياء الناس لم يكن في يوم من الأيام ذو قيمة حقيقية لدى صانع القرار.
ويلاحظ أنه تم إنشاء الصندوق من دون رقابة حقيقية على إيراداته وأوجه صرفها.
وبعد سنوات بدأت الصحف تتحدث عن الفوائض الضخمة لهذا الصندوق الذي لم يعد للعاطلين، بل بات أشبه بصندوق احتياطي عام للحكومة تكدّس فيه الأموال شهراً بعد شهر.
فالدعم الموجه لهم بات يخضع لقواعد وقوانين تعسّفيه تحرم العاطل من المخصص المتواضع لأي سبب تافه، ولا توجد برامج حقيقية تصرف فيها مبالغ مالية بهدف إدماج العاطلين في سوق العمل، كما كان متوقعاً منه وقت إنشائه.
والتصرفات الحكومية اللاحقة أثبتت لنا أن الحديث المستمر في الصحف الموالية عن “الفوائض” في صندوق التعطّل لم يكن بريئاً، وبالفعل حين احتاجت الحكومة لتمويل مشاريع أخرى، أول ما فكرت فيه كان هذا الصندوق.
البداية كانت في التقاعد الاختياري الذي كان يهدف لإيصال البلاد لحالة “التوازن المالي” عبر إحالة أكبر عدد ممكن من موظفي الحكومة للتقاعد للتخفيف من مصروفات الحكومة في باب الرواتب.
يومها قررت الحكومة البحرينية جس النبض بسحب 230 مليون دينار من الصندوق لتمويل التقاعد الاختياري، لكنها أكدت أن الأمر استثنائي لمرة واحدة فقط ولن يتم تكراره مجدداً.
والجدير بالذكر اعتراف الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية التي أكدت في جلسة لمجلس النواب بأن ما أنفقوه من هذه المبالغ لصالح التقاعد الاختياري كان فقط 170 مليون دينار، وأن 60 مليون دينار كانت فائضة، قررت “تسييلها”، أي صرفها في أوجه أخرى، لا أحد يعلمها.
وبالطبع لم تلتزم الحكومة بوعودها وعهودها، وكما هو الحال في الكثير من الأمور الأخرى، فإن ما مرّ بسلام دون ضجيج أو مشاكل حقيقية، يمكن للحكومة تكراره مراراً وتكراراً مع عدم توقّع ردات فعل مختلفة.
وهكذا قررت الحكومة لاحقاً سحب أموال لدفع رواتب الموظفين في القطاع الخاص المتضررين من الإغلاق العام بسبب جائحة كورونا، وقامت بسحب 312 مليون دينار بحريني على دفعتين لدفع الرواتب (254 مليون دينار في 2020 و58 مليون دينار في يونيو 2021) في دعم مباشر للتجار وأصحاب الشركات الذين حصلوا على تسهيلات مالية ضخمة إبان الجائحة.
وفي أكتوبر 2023 علمنا من عدد من النواب وأعضاء الشورى أن الحكومة سحبت 200 مليون دينار من الصندوق لصرفها على برامج تهدف لإدماج العاطلين في سوق العمل ودعم رواتبهم، وبعد حوالي 6 أشهر (قبل أيام فقط)، علمنا بعد أن تقدمت الحكومة بالمشروع للمجلس أن هذه الأموال ذهبت لحساب “تمكين” تحديداً.
مع ملاحظة أن الحكومة نظراً لغياب الرقابة وصلت إلى مرحلة متقدمة، حيث قامت تستولي بداية على الأموال ولاحقاً تقدم مشروع القانون للمجلسين للمصادقة عليه في إجراء شكلي كما بات واضحاً.
وتحيط هذا الصندوق حالة من الضبابية، فمنذ إنشائه في العام 2006 لم تقم الحكومة بتقديم الحساب الختامي للصندوق إلى لمجلس للمصادقة عليه.
ولم يعد أحد يعرف حقيقة كم هي الموجودات أو المصروفات في هذا الصندوق – قال نائب رئيس الشورى جمال فخرو خلال مداخلة (31 مارس 2024) إن الصندوق جمع حوالي مليار و300 مليون دينار منذ إنشائه.
حتى إن المجلس اضطر قبل أشهر لتمرير تشريع يلزم الحكومة بتقديم الحساب الختامي للبرلمان للمصادقة، وهو الأمر الذي يستبعد أن تلتزم الحكومة بتنفيذه، نظراً لضعف المجلس وعدم وجود أدوات دستورية حقيقية للرقابة والمساءلة والمحاسبة في حال وجود تقصير من قبل الجهاز الحكومي.
ولهذه الأسباب كلّها ربما صار لزاماً على المواطنين رفع الصوت عالياً للمطالبة بإلغاء هذا الصندوق الذي صار مصدر تمويل لكل شيء عدا الشيء الوحيد الذي أنشئ من أجله.