ندد توثيق حقوقي بصدور أحكام إعدام بعد التعذيب ومحاكمات صورية في البحرين، مؤكدا أن سجلات المحاكم التابعة للنظام الخليفي تظهر تفشي انتهاك الحقوق.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” و”معهد البحرين للحقوق والديمقراطية” في توثيق مشترك تلقى “بحريني ليكس” نسخة منه، إن المحاكم البحرينية أدانت متهمين وحكمت عليهم بالإعدام بعد محاكمات من الواضح أنها جائرة، إذ استندت فقط أو في المقام الأول إلى اعترافات يُزعم أنها انتزعت بالإكراه تحت التعذيب وسوء المعاملة.
وحمل التوثيق اسم “المحكمة تطمئن إلى سلامة الاعتراف”: أحكام الإعدام في البحرين بعد التعذيب ومحاكمات صُوَرية”.
واستند التوثيق بشكل أساسي إلى سجلات المحاكم ووثائق رسمية أخرى، وجد انتهاكات خطيرة ومستمرة لحقوق الإنسان تكمن وراء الإدانات وأحكام الإعدام في قضايا ثمانية رجال تم مراجعتها.
وهؤلاء هم من بين 26 شخصا ينتظرون حاليا تنفيذ حكم الإعدام فيهم وقد استنفدوا الاستئناف. رفضت محاكم البداية والاستئناف بازدراء الادعاءات ذات المصداقية بالتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاستجواب بدل التحقيق فيها، وهو ما يقتضيه القانونان الدولي والبحريني.
وأكد التوثيق أن المحاكم في البحرين تنتهك منهجيا حقوق المدعى عليهم في الحصول على محاكمات عادلة، بما في ذلك الحق في الاستعانة بمحام أثناء الاستجواب واستجواب شهود الإثبات، وكذلك من خلال الاعتماد على تقارير من مصادر سرية.
قال مايكل بيج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “عادةً ما يعلن المسؤولون البحرينيون أن الحكومة تحترم حقوق الإنسان الأساسية، ولكن في قضية تلو الأخرى، اعتمدت المحاكم على الاعترافات القسرية على الرغم من ادعاءات المتهمين الموثوقة أنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة”.
وأضاف أن “الانتهاكات الحقوقية العديدة التي تكمن وراء أحكام الإعدام هذه لا تعكس نظاما للعدالة، بل نمطا من الظلم”.
أعدمت البحرين ستة أشخاص منذ العام 2017، بعدما أنهت البلاد الوقف الفعلي لعقوبة الإعدام الذي دام سبع سنوات.
وقد يُعدم الرجال الـ 26 المحكوم عليهم بالإعدام بمجرد مُصادقة الملك حمد بن عيسى آل خليفة على أحكامهم.
ادّعى كلٌّ من المتهمين الثمانية بمصداقية أن اعترافاتهم انتُزعت بالتعذيب وسوء المعاملة. ولم تحقق النيابة العامة والمحاكم في هذه الادعاءات، التي أيدتها في بعض الحالات النتائج التي توصل إليها الأطباء.
ومع ذلك، خلصت المحاكم بإجراءات موجزة إلى أنه لم تحدث أي إساءة معاملة، وأصدرت أحكاما مليئة بالتناقضات وفي بعض الحالات تتعارض مع أدلة مسلّم بها.
كما انتهكت المحاكم البحرينية باستمرار الحقوق الأساسية المتمثلة في التمتع بالإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة أثناء الملاحقات القضائية.
ويبدو أنه لم يُسمح لأي من المتهمين بالاستعانة بمحام أثناء الاستجواب.
في قضيتين على الأقل، لم يُسمح للمتهمين بالاطلاع على أدلة الادعاء المستخدمة في المحاكمة، التي شملت في إحدى الحالات تقريرا اعتمد على مصادر سرية لم يتمكن الدفاع من استجوابها. وفي أخرى، لم تسمح المحكمة للمتهم بتقديم شهود دفاع.
قال جوشوا كولانجيلو-برايان، مستشار هيومن رايتس ووتش وكاتب رئيسي للتقرير: “من المروع الحكم على الناس بالإعدام لا سيما في ظل مزاعم التعذيب وبعد محاكمات جائرة. ينبغي للملك حمد فورا تخفيف جميع أحكام الإعدام وينبغي للحكومة إعادة الوقف الفعلي للإعدامات”.
إحدى القضايا تشمل زهير إبراهيم جاسم عبد الله، الذي ألقت الشرطة القبض عليه لدوره المزعوم في قتل شرطي. زعم أن المحققين خلعوا جميع ملابسه في محاولة لم تتم لاغتصابه وهددوا لاحقا باغتصاب زوجته.
كما زعم أن عناصر الأمن استخدموا صدمات كهربائية على صدره وأعضائه التناسلية. في نهاية المطاف، أدلى باعتراف زائف.
في أبريل/نيسان 2018، قدم عبد الله لدى “الأمانة العامة للتظلمات” التابعة لوزارة الداخلية و”وحدة التحقيق الخاصة” شكوى يزعم فيها تعرضه للتعذيب.
قال عبد الله أثناء محاكمته إن الإكراه يبطل اعترافه وإنه يجب تعليق القضية في انتظار نتائج التحقيقات.
رفضت المحكمة هذا الطلب ورفضت مزاعم التعذيب، وكتبت في حكمها أن “التحريات… تضمنت مقومات جديتها والتي تبعث على الاطمئنان لصحة ما جاء بها”.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أدانت المحكمة عبد الله وحكمت عليه بالإعدام بناء على “اعترافه”.
أثار عبد الله مجددا ادعاءه بشأن الإكراه في الاستئناف. وبدل من أن تأمر محكمة الاستئناف بالتحقيق في الادعاءات، وجدت بإيجاز أن الحكم الخاضع للطعن “تكفل بالرد على النحو السائغ والسليم” على تلك الحجج.
وخلصت محكمة الاستئناف كذلك إلى أنه كان من المناسب عدم تأجيل القضية لأن شكاوى عبد الله “ما زالت قيد التحقيق ” – وهو السبب ذاته وراء وقف القضية. أيّدت محكمة التمييز الإدانة والحكم في يونيو/حزيران 2020.
توضح قضية عبد الله، بالإضافة إلى القضايا الأخرى التي تمت دراستها، كيف انتهكت المحاكم البحرينية التزاماتها بموجب القانونين الدولي والبحريني بالتحقيق في الانتهاكات واحترام حقوق المحاكمة العادلة الأساسية. وفي بعض الحالات، بدا أعضاء النيابة العامة متواطئين في هذه الانتهاكات.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الطبيعة المنهجية لمزاعم الانتهاكات الخطيرة التي أدلى بها المتهمون تؤكدها أوجه التشابه بين القضايا.
يُزعم أن الكثير من التعذيب وسوء المعاملة حدث في المكانين نفسهما – “الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية” التابعة لوزارة الداخلية و”الأكاديمية الملكية للشرطة”، الواقعة بجوار “سجن جو”.
وهناك أيضا أوجه تشابه في أساليب التعذيب وسوء المعاملة التي وصفها المتهمون الثمانية.
بالإضافة إلى ذلك، أدين ثلاثة من 26 شخصا محكوم عليهم بالإعدام بتهم تتعلق بالمخدرات، على الرغم من ادعاء البحرين أنها تطبق أحكام الإعدام فقط كعقوبة على جرائم خطيرة للغاية، مثل القتل العمد.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للملك حمد تخفيف جميع أحكام الإعدام المعلقة، بدءا من المتهمين المدانين على أساس اعترافات قسرية مزعومة وأولئك الذين حُكم عليهم بالإعدام لارتكاب جرائم أخرى غير تلك البالغة الخطورة.
وأكدت المنظمة أنه ينبغي للبحرين أن تعيد رسميا العمل بالوقف الفعلي للإعدامات القضائية وأن تتخذ خطوات لإنهاء تطبيق عقوبة الإعدام رسميا في جميع الظروف.
وأضافت أنه ينبغي للملك إنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في انتهاكات حظر التعذيب من قبل المسؤولين الأمنيين والقضائيين والإبلاغ علنا عنها.
كما أكدت أنه ينبغي لحكومتَي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكذلك “الاتحاد الأوروبي” ودوله الأعضاء، حث البحرين من خلال القنوات العلنية والدبلوماسية على وقف جميع الإعدامات والتحقيق الجاد في مزاعم التعذيب وانتهاكات الحق في محاكمة عادلة.
قال سيد أحمد الوداعي، مدير المناصرة في معهد البحرين للحقوق والديمقراطية: “النتائج الواردة في هذا التقرير لها تبعات مدمرة على النزلاء المحكوم عليهم بالإعدام في البحرين. على حلفاء البحرين، ولا سيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اتخاذ خطوات حاسمة للوقوف مع هؤلاء الضحايا قبل فوات الأوان”.