البحرين: خطط تقشفية تُحمّل المواطنين عبء العجز وسط تفشي الفساد

في ظل الخطاب الرسمي الذي يُبشر بـ”الإصلاح الاقتصادي” و”إعادة التوازن المالي”، تتكشف في البحرين صورة مألوفة: ضرائب تطال الفئات الأضعف، وخطط تقشفية تُحمّل المواطنين عبء العجز، بينما تُصان الامتيازات الملكية والطبقية كما لو كانت خطاً أحمر. لا يبدو أن أحدًا في موقع القرار يطرح السؤال الحقيقي: من يدفع الثمن حقًا؟

ومنذ تطبيق ضريبة القيمة المضافة في 2019، والمتوسعة في نسبتها لاحقًا، ظهرت الفجوة الواضحة بين الفئات المستهدفة بالإجراءات الضريبية، وتلك التي تحظى بالحماية.

فالموظف والعامل والمواطن العادي، هو من يدفع السعر الجديد لرغيف الخبز، ويدفع الضريبة عند تعبئة الوقود، ويتلقى الفاتورة الأكبر عند التسوق.

في المقابل، الشركات الكبرى – لا سيما المرتبطة بعائلات نافذة – تمارس أنشطتها دون رقابة ضريبية حقيقية، بل تُمنح امتيازات استثمارية، وأراضٍ بحرية، وتسهيلات غير متاحة لصغار المستثمرين.

بل إن البحرين، وعلى غرار بعض جيرانها، تحوّلت إلى ملاذ ضريبي فعلي لبعض الشركات العالمية التي تُهرّب أرباحها وتستغل الثغرات القانونية، دون أن تُسائلها الدولة أو تُفرض عليها ضرائب عادلة.

نهب المال العام: فساد لا مساءلة

ما يُسمى بسوء إدارة المال العام، هو في الحقيقة “منظومة نهب” تتكرر سنويًا، كما توثقه تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية. مليارات تُصرف على مشاريع فاشلة أو غير مكتملة، وموازنات ضخمة تُمنح لجهات بلا شفافية، ووزارات “سيادية” تتلقى الدعم الكامل حتى في أسوأ أوقات التقشف.

وبينما تتحدث التقارير عن اختلاسات وهدرٍ فادح، لا تصل يد المحاسبة إلى الكبار. لا أحد من المتنفذين يُسأل عن المشاريع المليونية التي بُدِئت ولم تُستكمل، أو عن الشركات التي تبتلع العقود الحكومية دون تنفيذ حقيقي.

هكذا، يُصبح “الإصلاح الاقتصادي” مجرد شعار يُغلف خطة ممنهجة لإعادة توزيع العبء، لا الثروة.

تقشف على المواطن.. رفاهية في القمة

منذ عام 2011، أقدمت الحكومة البحرينية على سلسلة إجراءات تحت عنوان “إصلاح الدعم”، بدأتها برفع أسعار المحروقات والكهرباء والماء، وتوالت خطواتها لتشمل الغذاء والمواصلات وحتى التعليم والصحة.

لكن في الوقت ذاته، لم تُخفّض مخصصات الوزارات الأمنية، ولا ميزانيات الديوان الملكي، ولا حتى رواتب أعضاء البرلمان الذين لا يمتلكون تمثيلًا شعبيًا حقيقيًا.

وفي بلد لا يتمتع فيه المواطن بحق انتخاب حكومته، أو الإشراف على ميزانيته، تصبح الضرائب أداة لا لتعزيز الدولة، بل لتعزيز حكم الأقلية على حساب الأكثرية.

العدالة الضريبية تبدأ من فوق

إذا كانت الحكومة جادة في الحديث عن “ضريبة عادلة”، فلتبدأ من الأعلى. فلتُفرض الضرائب أولًا على الأصول الضخمة التي تملكها النخبة الحاكمة، وعلى الشركات المحمية التي تُبرم صفقاتها دون رقابة.

لماذا لا تُفتح ملفات الأراضي العامة التي وُزّعت مجانًا؟ لماذا لا يُعاد تقييم الصناديق السيادية التي تعمل في الظل؟ أين الشفافية في عوائد النفط، وصفقات التسليح، واستثمارات الدولة الخارجية؟

العدالة الضريبية الحقيقية لا تُبنى على أكتاف الموظفين، بل تبدأ من رأس الهرم: من مساءلة من راكموا الثروات على حساب الشعب، وليس من فرض ضرائب على المستهلك الذي لا يملك سوى راتبه آخر الشهر.

إصلاح اقتصادي أم إعادة إنتاج الظلم؟

في سياق كهذا، يصعب وصف ما يجري بأنه “إصلاح”. فالإصلاح الحقيقي يبدأ من تفكيك منظومة الفساد، وبناء عقد اجتماعي جديد يعطي الشعب الكلمة العليا في إدارة ثروات بلده.

أما ما يُقدّم حاليًا، فهو عملية تجميل لمنظومة غير عادلة: ضرائب دون تمثيل، تقشف دون مساءلة، وزيادة أعباء دون تغيير في نمط الإنفاق السلطوي.

بل إن الضريبة هنا تتحول إلى أداة سياسية: تُستخدم لمعاقبة الطبقة الوسطى وتفريغها من مضمونها، وتحويل الشعب إلى جمهور مستهلك عاجز، بينما تزداد قوة الطبقة المالكة التي لا تدفع شيئًا.

لا ضريبة دون عدالة

في ظل هذا الواقع، فإن أي حديث عن “ضريبة جديدة” في البحرين يجب أن يُواجَه بسؤال بسيط: من يدفع؟ ومن يستفيد؟

إن فرض ضرائب جديدة في بلد لا تُحاسب فيه النخبة، ولا يُنتخب فيه البرلمان بحرية، ولا يتمتع المواطن فيه بحق الرقابة على المال العام، هو عدوان اقتصادي يُضاف إلى سلسلة من الإقصاءات السياسية والاجتماعية.

الضريبة العادلة تبدأ من العدالة السياسية. تبدأ من الشفافية. من مساءلة من نهبوا البحر والبر والمال. أما تحميل الفقراء ثمن فساد لا دخل لهم فيه، فهو ليس إصلاحًا، بل تكريسٌ للظلم باسم القانون.

 

Exit mobile version