تواجه البحرين أزمة متزايدة في مجال حقوق الإنسان، إذ يُعد قمع الناشطين والمعارضين السياسيين في ظل المراقبة الرقمية من أبرز التحديات التي تعرقل مسار الدولة نحو مجتمع مدني مفتوح.
وتشير تقارير منظمات حقوقية محلية ودولية إلى استمرار عمليات الاعتقال التعسفي، الاختفاء القسري، والتعذيب داخل السجون، خصوصًا ضد من يجرؤ على انتقاد الحكومة أو المطالبة بإصلاحات سياسية واجتماعية.
ويؤكد هؤلاء المراقبون أن ما يحدث يمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسية، وتهديدًا خطيرًا لحرية التعبير في المملكة.
وفي السنوات الأخيرة، لاحظ الخبراء تطورًا ملحوظًا في أساليب القمع في البحرين، حيث بدأت السلطات توظيف تقنيات المراقبة الرقمية المتقدمة لاستهداف المعارضين بشكل دقيق.
وتستخدم هذه الأنظمة برامج تجسس متطورة قادرة على اختراق الهواتف والأجهزة الشخصية دون أن يدرك المستخدم ذلك، وتجميع المعلومات الحساسة لمراقبة نشاطات المعارضين ومتابعتهم خطوة بخطوة. هذا الأسلوب يختلف عن المراقبة التقليدية، إذ يسمح بملاحقة أفراد محددين بدقة عالية بدل الرقابة العامة.
وتشير التقارير إلى أن البحرين لم تطور هذه الأنظمة داخليًا فحسب، بل اعتمدت على شراكات خارجية واستثمارات تقنية لتسريع الحصول على برامج التجسس المتقدمة.
وتجعل هذه الأنظمة، التي قد تشمل قدرات مشابهة لتلك المستخدمة في الإمارات والسعودية، من الصعب على النشطاء حماية أنفسهم، خصوصًا وأن التقنيات الحديثة تمكن الحكومة من الوصول إلى البريد الإلكتروني، الرسائل النصية، والمحادثات المشفرة دون تدخل من المستخدم.
وفي الواقع، يواجه النشطاء البحرينيون اليوم تحديات مزدوجة: قمع جسدي وسياسي داخل البلاد، وقمع رقمي مستمر عبر الإنترنت. فحتى بعد مغادرتهم البحرين، يمكن أن يستمر النظام في مراقبة نشاطاتهم عن بعد، مما يجعل أي محاولات للنشاط المدني في الخارج محفوفة بالمخاطر.
وقد أدت هذه الظروف إلى تراجع النشاط المدني بشكل كبير، حيث أصبح الكثير من الناشطين يفضلون البقاء صامتين خوفًا من الملاحقة القانونية أو الرقمية.
ويعتبر الحصول على هذه التكنولوجيا الرقمية من الخارج أمرًا بالغ الأهمية لفهم كيف أصبح القمع أكثر تعقيدًا. إذ تشير الأدلة إلى أن شركات وبرامج دولية متخصصة في مجال التجسس الرقمي قد زوّدت بعض الدول الخليجية، بما فيها البحرين، بأدوات يمكنها اختراق الأجهزة وإسكات الأصوات المعارضة بفعالية.
وهذا يضع مسؤولية مزدوجة على كل من الدولة التي تستخدم هذه الأدوات والجهة التي توفرها، إذ يسهم كلا الطرفين في تقييد حرية التعبير وانتهاك الحقوق الرقمية للمواطنين.
وفي ظل هذه المعطيات، تؤكد منظمات حقوقية أن البحرين لم تحرز أي تقدم حقيقي في حماية الحقوق الرقمية لمواطنيها. فالأنشطة المدنية التي كانت ممكنة سابقًا أصبحت اليوم محدودة للغاية، ويواجه كل من يحاول تنظيم احتجاج أو نشر محتوى ناقد تهديدًا قانونيًا ومراقبة إلكترونية مستمرة. هذا الواقع يعكس مدى تسلط الأجهزة الأمنية وتقنياتها المتقدمة على الحياة اليومية للمواطنين.
من ناحية أخرى، لا تقتصر آثار هذه التكنولوجيا على الأفراد فقط، بل تشمل المجتمع المدني ككل، إذ أصبحت المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام المستقلة عرضة للاختراق والمراقبة، مما يعوق قدرتها على نشر المعلومات وإجراء التحقيقات المستقلة.
ويؤدي هذا إلى تعميق حالة الخوف والرقابة الذاتية بين النشطاء والصحفيين، ويجعل البحرين واحدة من أكثر دول الخليج قمعًا في مجال الحقوق المدنية والرقمية.
وعليه يبرز الوضع في البحرين نموذجًا واضحًا للقمع الحديث الذي يجمع بين القوة الأمنية التقليدية والتقنيات الرقمية المتقدمة. فبينما تصوّر الحكومة هذه التكنولوجيا كأداة لتعزيز الأمن وحماية الدولة، إلا أن واقع استخدامها يكشف عن استهداف مباشر للمعارضين وتقويض حرية التعبير.
ويظل التحدي الأكبر للمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان هو ضغط مستمر على البحرين للكف عن انتهاك الحقوق الرقمية وضمان حماية النشاط المدني، داخل البلاد وخارجها.
