وثقت رابطة الصحافة البحرينية عشرات الانتهاكات في البحرين ضد مزاولي العمل الصحفي ومنتجي المحتوى الإعلامي على شبكة الإنترنت في ظل نهج القمع الشامل من النظام الخليفي.
وذكرت الرابطة في تقرير لها تلقى “بحريني ليكس” نسخة منه، أن النصف الأول من العام 2022 شهد سلسلة انتهاكات في البحرين ضد حرية الصحافة بما في ذلك حالات استجواب واعتقال و3 إجراءات قانونية و7 حالات سوء معاملة
وبحسب التقرير بلغ تعداد الحالات التي تمكنت رابطة الصحافة البحرينية من توثيقها والتأكد منها من خلال رصدها المنتظم للمضايقات والاستهداف الداخل في نطاق حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة نحو 15 حالة. وبهذا، يصل مجموع الحالات الموثقة منذ اندلاع الاحتجاجات منتصف فبراير/ شباط 2011 وصولاً إلى يونيو/حزيران 2022 إلى نحو 1770 انتهاكاً لحرية الرأي والتعبير.
وتتمثل التجاوزات المرصودة في 5 حالات استجواب واعتقال و3 إجراءات قانونية و7 حالات سوء معاملة تشمل المنع من العلاج أو اختراق هواتف أو الترهيب.
وأبرز التهم التي وجهت للمستجوبين والمعتقلين أو الذين أدينوا في المحاكم تمثلت في “نشر أخبار كاذبة” و”السب و القذف” و”انتقاد مجلس النواب” و”الإساءة و التشهير بشخصيات في المجتمع” و”انتقاد خليفة أموي”.
وبقيت الأرقام المذكورة عند مستوى ما تمّ تسجيله من انتهاكات في مثل هذا الوقت من العام الماضي 2021 حيث بلغ مجموع الحالات أيضاً 15 حالة. وبصورة عامة، تمثل الأرقام المذكورة انخفاضاً ملحوظاً في تعداد الانتهاكات مقارنة مع الأعوام السابقة.
لكن هذا لا يعني تخفيف السياسات الخانقة أو القبضة الأمنية التي بقيت ماثلة بل تشير إلى اشتغال “الرقيب الداخلي” واستمرار انسحاب عديد المواطنين من خوض النقاشات العامة بأسمائهم الحقيقية وتخفيف لغة النقد ما أمكن أو تغليفها بعبارات عمومية.
وقد مثلت تجربة القمع في الأعوام العشرة الماضية نوعاً من إعادة البرمجة العامة بحيث صار الناس يعرفون المناطق الآمنة التي يمكن لهم أن يبثوا داخل حدودها آراءهم من دون أن تورطهم مع الأجهزة الأمنية.
لذلك لم يعنِ أبداً تراجع معدلات الانتهاكات المسجلة ارتفاع سقف حرية التعبير مثلاً أو الحريات الإعلامية. بل على العكس فقد انطلقت الصرخة هذه المرة من جريدة “أخبار الخليج” أقدم الصحف الموجودة والمعروفة بتوجهها الموالي للدولة.
وقد كشف رئيس تحريرها، أنور عبدالرحمن، في افتتاحية لقيت صدى محليا واسعاً عن الواقع المرير الذي تمر به الصحافة المحلية في ظل المضايقات المستمرة وتقلص هامش الحرية إلى الحضيض.
كدليل على ذلك تلقى اتفاقيات التطبيع التي وقعتها البحرين مع إسرائيل رفضاً شعبياً واسعاً. ولكن هذا الرفض لم يظهر بأي شكل من الأشكال في وسائل الإعلام المحلية لأنه ليس مسموحاً بذلك.
كان هناك أمل كبير وما زال بحصول تغيير مع مجيء رئيس وزراء جديد لديه صلاحيات واسعة. ومؤخراً لقيت التركيبة الحكومية التي قام ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، بتشكيلها والتي أحضر فيها فريقه إشادات واسعة.
لكن ذلك لم ينعكس حتى الآن بأي شكل على واقع الصحافة والإعلام أو الحريات بشكل عام.
تتبوأ البحرين اليوم أدنى المؤشرات الدولية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والحريات السياسية. فقد حلت البحرين في المرتبة الأخيرة على مستوى دول الخليج العربي الست في مؤشر حرية الصحافة السنوي الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود” لهذا العام.
كما واصلت منظمة “فريدوم هاوس” تصنيفها “دولة قمعية غير حرة ” في مؤشر الحقوق المدنية والسياسية والحريات.
وفيما يلي الرصد الموجز للانتهاكات التي وقعت خلال النصف الأول من العام 2022:
استجوابات واعتقالات
استدعت إدارة الجرائم الإلكترونية (5 فبراير 2022) رئيس جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية جلال القصاب للتحقيق معه بشأن محتوى محاضرات قدمها على حساب الجمعية في مواقع التواصل الاجتماعي “يوتيوب” قبل أن تخلي سبيله في اليوم نفسه.
وحققت النيابة العامة (16 فبراير 2022) مع الصحافي محمد الغسرة مدير “موقع دلمون بوست” بتهمة “نشره أخبار كاذبة تتعلق بلقاء ممثلي عدد من الجمعيات مع جهة خارجية”.
واستدعت النيابة العامة (19 مايو 2022) المحامي عبدالله هاشم للتحقيق معه بتهمة “السب والقذف” إثر شكوى ضده مقدمة من مراسل قناة “العربية” السعودية السابق محمد عبدالرزاق محمد إسماعيل الزوبعي المعروف بـ”محمد العرب” حيث تم تحويل القضية إلى المحكمة.
واستدعت إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية (29 يونيو 2022) المغردة “ع. ن” للتحقيق معها بشأن آراء أدلت بها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” تتضمن انتقادات لأداء أعضاء مجلس النواب البحريني.
إجراءات قانونية
أعلنت إدارة مكافحة الجرائم الالكترونية (1 يناير 2022) اتخاذ إجراءات قانونية ــ لم توضح ماهيتها ــ ضد الأخصائية النفسية د. شريفة سوار بتهمة “الإساءة و التشهير بشخصيات في المجتمع” بعد أن تطرقت الأخيرة في ندوة بلندن إلى أسماء مسؤولين بارزين متورطين بتوزيع حبوب “اللاريكا” على مدارس البنات، على حد زعمها.
وفي خطوة إيجابية، وافق قاضي تنفيذ العقاب (25 يناير 2021) على الإفراج المشروط عن المصور أحمد حميدان ضمن قانون العقوبات البديلة وذلك قبل 11 شهراً من موعد إنهاء عقوبته البالغة 10 أعوام على أن تستبدل العقوبة الأصلية المحكوم بها قبل البدء في تنفيذها بعقوبة بديلة لم يعلن عنها.
وقضت محكمة بحرينية (17 مارس 2022) بسجن رجل الدين الشيعي الشيخ محمد الماضي لمدة سنة كاملة بتهمة التعرض للحاكم الأموي معاوية بن أبي سفيان.
إساءة معاملة وانتهاكات أخرى
أفاد معتقلون في سجن “جو” المركزي (7 يناير 2022) بتدهور صحة المصور الفوتوغرافي المحكوم بالمؤبد ياسر أحمد حيث عانى من دوار في الرأس وعدم استطاعة الحركة في الوقت الذي رفضت إدارة سجن “جو” نقله للمستشفى أو عرضه على أخصائي.
وكشف تحقيق صادر عن منظمة “الخط الأمامي” الإيرلندية (17 يناير 2022) عن تعرّض هاتف المدافعة عن حقوق الإنسان ابتسام الصائغ للاختراق بواسطة برنامج “بیغاسوس” الإسرائيلي على الاقل 8 مرات خلال العام 2019.
وشنت الصحف المحلية المقربة من الحكومة حملة تحريض منظمة (9 فبراير 2022) ضد مجموعة من شخصيات المجتمع المدني وهم أحمد الخزاعي، أسامة البحارنة، حسين الربيعي وهدى المحمود للقائهم بالسفير الأمريكي الجديد “ستيفن بوندي” في منزله ومناقشة موضوعات معه تتعلق بالمشاركة السياسية وحقوق الإنسان.
وأصدرت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية (18 فبراير 2022) تعميماً تحذيريا دعت فيه المنظمات والجمعيات الأهلية ذات الأهداف الاجتماعية والخيرية “عدم الاشتغال بالسياسة ومراعاة النظام العام والآداب والالتزام في جميع أنشطتها عبر عدم المساس بسلامة الدولة أو بشكل الحكومة أو نظامها الاجتماعي”.
وأصدر عدد من القادة السياسيين المعتقلين (4 مارس 2022) مناشدة عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان طالبين تدخلهما الفوري لإنقاذ حياة الأكاديمي د. عبدالجليل السنكيس صاحب مدونة “الفسيلة” المضرب عن الطعام منذ 250 يومًا (وقت إصدار البيان) بسبب مصادرة بحوثه في السجن.
تقارير دولية
صنفت منظمة “فريدوم هاوس” الأمريكية (4 مارس 2022) البحرين “دولة قمعية غير حرة ” حيث منحتها 12 نقطة فقط من أصل 100 نقطة في مؤشر الحقوق المدنية والسياسية والحريات.
واحتلت البحرين (3 مايو 2022) المرتبة الأخيرة على مستوى دول الخليج العربي الست في مؤشر حرية الصحافة السنوي الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود” في اليوم العالمي لحرية الصحافة والمرتبة 167 عالمياً من أصل 180 دولة.
وشجعت رابطة الصحافة البحرينية رئاسة مجلس الوزراء على مراجعة المقاربة الحكومية المطروحة بشأن الصحافة وحرية الإعلام والتعبير عن الرأي وجعل ذلك ضمن أولويات فريقه الحكومي. وترى أن الوقت مناسب لمغادرة هذه المنطقة وتبني مقاربة منفتحة تشمل:
الإفراج الفوري دون قيد أو شرط عن جميع المصورين والإعلاميين والناشطين المحتجزين بسبب مزاولتهم عملهم أو ممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير.
إيقاف الملاحقات والاعتقالات التعسفية والمحاكمات القضائية بتهم “إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي” ونشر أخبار كاذبة” و”انتقاد الهيئات الحكومية”.
فتح الحريات الإعلامية والصحافية في البلاد وإعادة النظر في أولويات عمل الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني خاصّة ما يتعلق بصلاحيتها.
إنهاء احتكار السلطة للإعلام التلفزيوني والإذاعي والمكتوب وفتح وسائل الإعلام للرأي الآخر المعارض، وبما يشمل إعادة التصريح لصحيفة “الوسط” بالصدور.
دعوة مقرر الأمم المتحدة الخاص بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير إلى جدولة زيارة عاجلة إلى البحرين.