أظهر الحساب الختامي لوضع الميزانية المالية في البحرين ليؤشر سنويا على جزء من الفساد العميق الذي ينخر في جسد الدولة، ويؤكد بوضوح أن العائلة الحاكمة لا تفصل ما بين ملكيتها الخاصة وبين الموازنات العامة.
وقال موقع (مرآة البحرين) المعارض إنه من السهل ملاحظة حجم البيانات المزيّفة والمتضاربة التي يقدمها وزير المالية للرأي العام من خلال الحسابات الختامية تلك، فتزوير الإيرادات الفعلية والمصروفات الفعلية وبالتالي العجز أو الوفر في الميزانية، هي لعبة يلعبها النظام الخليفي سنويا.
والحساب الختامي هو الجرد النهائي لإيرادات ومصروفات الدولة عند نهاية كل سنة مالية. وتظهر الأرقام فوارق كبيرة بين مشروع الموازنة عن العام الماضي 2023 والحساب الختامي عن العام نفسه.
وذكر الموقع أن هنالك العديد من الملاحظات التي يمكن الوصول إليها عند مطالعة بيانات الحساب الختامي للعام 2023 الذي اعتمدته الحكومة، وهي في الواقع تشير بوضوح إلى التلاعب بالأرقام الذي يمارسه الوزير عن الحكومة طبعا.
ويمكن البدء بالإيرادات، إذ أظهرت الأرقام المقدمة في الحساب الختامي للدولة، أن إيرادات الدولة زادت بمقدار 92 مليون دينار فقط عن التقديرات الواردة في الموازنة، بعد أن ارتفعت إيرادات بعض الأبواب وانخفضت أخرى.
وبكل تأكيد فإن هذا الرقم غير صحيح، إذ كان من المتوقع أن تسجل الدولة زيادة أكبر في الإيرادات بالنظر إلى ارتفاع أسعار النفط والزيادة في الضرائب والرسوم الحكومية.
وزعم الحساب الختامي للدولة إن الإيرادات النفطية زادت فقط 119 مليون دينار وهو مبلغ غير صحيح بالمقارنة مع متوسط أسعار النفط عن العام 2023.
للتوضيح فإن الموازنة العامة للعام 2023 قد تم تقديرها على أساس 60 دولارا فقط لبرميل النفط الواحد، بينما بلغ متوسط سعر البرميل الخام العام الماضي حوالي 83 دولارا، ما يعني أن أسعار النفط زادت مع نهاية السنة المالية بما نسبته 38%.
ويعني ما تقدم أن سعر برميل النفط الفعلي مع نهاية العام الماضي جاء بزيادة مقدرة بنحو 23 دولار عن كل برميل نفط. وإذا ما عرفنا أن البحرين أنتجت مع نهاية العام الماضي حوالي 180 ألف برميل نفط يوميا، فإن الزيادة في الإيرادات النفطية فقط قد تصل إلى 500 مليون دينار.
وتظهر هذه الحسابات حجم الفارق بين الزيادة الفعلية في إيرادات النفط -بالنظر للأسعار العالمية- والأرقام التي قدمتها الحكومة في الحساب الختامي، إذ أن الفارق بين التقديرين أكثر من 380 مليون دينار يبدو أنها ذهبت لجيب أحدهم.
أما في باب المصروفات، فقد أدعت الحكومة أن مصروفاتها زادت بنسبة كبيرة ومبالغ فيها تصل إلى 32%، وهي مصروفات وهمية على ما يبدو وليس من المعروف الأبواب التي تم فيها صرف تلك المبالغ.
ووفقا للحساب، فإن اعتماد المصروفات كان عند 3.730 مليار دينار، إلا أن المصروفات الفعلية بلغت 3.969 مليار دينار، والفارق بين الرقمين هو 239 مليون دينار، وهو مبلغ هائل جدا.
فهل يعرف وزير المالية ماذا يمكن لهذا المبلغ أن يفعل؟ إن هذا المبلغ يمكن أن يبني مدينة إسكانية نموذجية مع جميع ما يحتاجه قاطنوها من مدارس ومركز طبي وحدائق وأسواق، أو بناء أستاذ رياضي أكبر من استاد لوسيل الذي استضاف نهائي كأس العالم في قطر.
وبما أنه لم يقم ببناء مدينة إسكانية أو مدينة رياضية، فإن الوزير احتار في كيفية تمرير هذا المبلغ الضخم في الحساب الختامي، فلم يجد أفضل من أن يجعله في أوجه صرف لا يمكن التحقق منها أو ملاحظة انعكاسها على حياة الناس مثل سلع استهلاكية، وفوائد دين ونفقات تحويلية ليس معلوما لمن تم تحويلها!
يظهر من ذلك، أن وزير المالية تلاعب بشكل واضح بأرقام الإيرادات النفطية وقام بالتقليل منها، كما قام بإضافة مصروفات غير فعلية للتعتيم على مصروفات خاصة، بالإضافة إلى سرقة كبيرة أخرى: هي سرقة (تغطية عجز الموازنة).
لقد بلغ عجز الموازنة وفقا لأرقام الإيرادات والمصروفات حوالي 774 مليون، بزيادة مقدرة بنحو 147 مليون دينار، في وقت كان يفترض أن تقل فيه نسبة العجز بأكثر من هذا المبلغ.
ولكن سلمنا جدلا أن الإيرادات النفطية لم ترتفع بأكثر مما أعلنت عنه الحكومة والمصروفات زادت للحد الذي ذكره الحساب الختامي، بالتالي تشكّل من ذلك مبلغ العجز الفعلي المقدّر بنحو (774 مليون دينار)، فلماذا إذن اقترضت الحكومة أكثر من مبلغ العجز؟ وأين ذهبت الفوارق؟
لقد اقترضت الحكومة مليار دينار على أقل تقدير في العام 2023 نصفها سندات في السوق المحلية، لتغطية عجز مسجل بـ 774 مليون دينار فقط، ويعني ذلك أن الحكومة اقترضت 260 مليون دينار فوق حاجتها لتغطية عجز الموازنة، فأين ذهب هذا المبلغ المفقود؟
وختم الموقع “في الواقع، كثيرة هي الأسئلة وكثيرة هي المبالغ المفقودة في هذه الدولة ولا أحد يعرف أين تذهب، ما عدا الكبار في العائلة الحاكمة الذين يُموّلون بها استثماراتهم ويُنمّون بها أرصدتهم، وينفقونها على العسكر والشرهات”.