كثفت السلطات البحرينية، خلال الشهور الأخيرة، جهودها لاقتراح المزيد من السياسات التمييزية ضد العمال المهاجرين في الوقت الذي فشلت فيه في أخذ حقوق هؤلاء العمال في الاعتبار.
وفي الوقت الذي تواجه في المملكة تحديات اقتصادية وفي البنية الأساسية، بما في ذلك الازدحامات المرورية وعجز الميزانية، يصبح المهاجرين، وبشكل متزايد هم كبش الفداء في الخطابات والسياسات الرسمية وفق منظمة migrant-rights الحقوقية.
وذكرت المنظمة أنه في السنوات الأخيرة، خصوصا في أعقاب إعادة فتح البلاد بعد الإغلاق خلال جائحة كوفيد 19، أصبحت الاختناقات المرورية موضوعاً محورياً في النقاش العام.
وكما هو الحال تقليديا ومنذ زمن طويل في اعتبار المهاجرين كبش الفداء للأمراض الاجتماعية، ألقى المسئولون اللوم على المهاجرين في أزمة المواصلات هذه، في البلاد.
وفي وقت سابق من هذا العام، تقدمت مجموعة من البرلمانيين بمقترح لربط استصدار رخص السياقة للمهاجرين بتصاريح الإقامة وتوحيد تاريخ انتهائهما. وحالياً، يُمنح المواطنون والمهاجرون رخصة قيادة السيارات لمدة 5 سنوات.
وحظي التشريع المقترح بموافقة البرلمان بالإجماع، وينتظر حالياً قراراً من مجس الشورى في هذا الشأن.
ويؤكد المشرعون الذين يقفون وراء هذا المقترح أن أهدافه الأولية هي «معالجة المخالفات المستمرة التي يقوم بها المقيمون غير القانونيين في البحرين» وكذلك لـ «تخفيف الاختناقات المرورية في البحرين بخفض عدد رخص السياقة المستخدمة».
وبالإضافة إلى ذلك، حث أعضاء البرلمان شرطة المرور على العمل بفعالية لمنع المهاجرين غير النظاميين من سياقة المركبات في داخل البلاد.
وفي الوقت الذي أيدت لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني، المشرع المقترح، فإن وزير الداخلية حث النواب على رفضه، مشيراً إلى مخاوف من «صعوبة تطبيقه الذي قد يتسبب في حدوث اضطراب إحصائي في النظام الالكتروني وكذلك إرباك بين شرطة المرور التي تطبق هذه القوانين.
يشار هنا إلى أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان التي يرأسها حالياً علي الدرازي، أعلمت النواب إن المقترح لا يخالف أية حقوق إنسانية لأنه «لا يقيد أو يمنع حركة الأجانب».
وأضافت المؤسسة بأن المشروع المقترح «هو تنظيمي بحت ولا يخرق بالمساواة وحرية الأجانب أو اتفاقيات أو معاهدات حقوق الإنسان الدولية».
وكما سلطت MR في وقت سابق الضوء على الكويت حيث يتكشف وضع مواز، فالخطاب المحلي حول الاختناقات المرورية يميل لتجاهل حقيقتين مهمتين:
أولهما أن السبب الأساسي هو عدم كفاءة التخطيط الحضري القائم على وسائل مواصلات خاصة في منطقة محدودة. والثانية إن العمال المهاجرين هم الفئة الديموغرافية الوحيدة المعتمدة على المواصلات العامة، وأنهم يملكون عدد أقل من السيارات الخاصة مقارنة بالسكان المحليين، وغالباً ما يتشاركون في استخدام السيارات.
يشار إلى أن غالبية المهاجرين في البحرين هم من ذوي الدخول المنخفضة وبشكل عام لا يملكون سيارات شخصية. أما أولئك الذين يستخدمون السيارات منهم، فأغلبهم يفعلون ذلك تلبية لمتطلبات عملهم ويستخدمون السيارات التي تقدمها لهم جهات عملهم.
وقد كثفت البحرين، خلال العام الماضي، المداهمات على المهاجرين غير النظاميين. وذكرت هيئة تنظيم سوق العمل الأسبوع الماضي إن عدد العمال الذين تم ترحيلهم ارتفع بشكل كبير بنسبة 202.8٪ في 2023، ليصل عدد المرحّلين إلى 5477 شخص. بينما تم القبض على 4232 عامل غير نظامي خلال الفترة نفسها من العام السابق.
واستمراراً لهذه الحملة، وافق مجلس النواب الأسبوع الماضي، بالإجماع، على تعديلات قانون بطاقة الهوية لعام 2006.
وتهدف التعديلات إلى ربط بطاقة الهوية الشخصية للمهاجرين بتصريح إقامتهم. ويتم اصدار بطاقة الهوية في البحرين لمدة 5 سنوات.
وستقوم الحكومة بصياغة مسودة التعديلات كتشريع رسمي في مدة أقصاها 6 شهور، ومن ثم تقديمها لمجلسي النواب والشورى لمراجعتها.
ومن الجدير بالذكر، إن التعديات الجديدة تضفي طابعا رسمياً على ممارسات قائمة أصلا. ففي السنوات الأخيرة، قامت الحكومة، بهدوء، بربط بعض الخدمات بصلاحية تصريح العمل.
وسلطت Migrant-Rights في وقت سابق الضوء على حالات تم فيها حرمان مهاجرين في البحرين انتهت صلاحية تصريح عملهم من الحصول على الرعاية الصحية برغم صلاحية بطاقة الهوية، فيما تم القبض على البعض في مرافق تقديم الرعاية الصحية بسبب وضعهم غير النظامي.
وذكرت كل من وزارة الداخلية وهيئة المعلومات والحكومة الالكترونية في معرض تأييدهما لتعديلات النواب، إن هذه الممارسة مطبقة أصلا عندما يتم إلغاء تصريح العمل من قبل هيئة تنظيم سوق العمل، إضافة إلى أن هذه السياسة تهدف إلى «منع المقيمين من ذوي الأوضاع غير القانونية من طلب الرعاية الصحية أو الخدمات المصرفية وغيرها».
مما يجدر ذكره هنا، إن المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان في البحرين، ذكرت أن التعديلات «لن تتعارض مع حقوق الانسان» برغم أنها أثارت مخاوف بشأن عدم قدرة المهاجرين غير النظاميين على الوصول لخدمات الطوارئ مثل الرعاية الصحية.
ويعتبر ربط تصاريح الإقامة والعمل ببطاقة الهوية أمرا مهما للحصول على الخدمات الحيوية في البحرين، إلا أنه يتجاهل حقيقة مهمة. فالكثير من المهاجرين يجدون أنفسهم في وضع غير نظامي بسبب تصرفات أصحاب العمل الذين يسيطرون على وضع تصاريح العمل والإقامة الخاصة بالعمال تحت نظام الكفالة.
وفي عدد من الحالات الموثّقة، اختارت نساء مهاجرات تعرضن لإلغاء تصاريح عملهن، الولادة في المنزل معرضات سلامتهن وسلامة أطفالهن للخطر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المهاجرين اليائسين يتجهون إلى استخدام بطاقات هوية آخرين من أجل الحصول على خدمات الرعاية الصحية، معرضين أنفسهم لحوادث طبية محتملة بسبب أن البيانات في السجلات الطبية تعود لمن تم استخدام بطاقة هويته.
وفي بداية 2024، وافق النواب في البرلمان البحريني بالإجماع على تشريع يفرض ضريبة قدرها 2٪ على تحويلات المهاجرين.
وتفرض هذه الضريبة على إجمالي المبلغ المرسل من قبل الأفراد المهاجرين كل مرة. وبحسب مجلس النواب، فإنه تم سن هذا القانون للحد من التدفقات المالية من البحرين للخارج، وتوفير «إيرادات إضافية للحكومة لتحسين أوضاع البلاد الاقتصادية».
ومن جانبه، رفض مجلس الشورى مشروع القانون المقترح بالإجماع مما أدى إلى إعادته لمجلس النواب لإجراء مراجعة ثانية له.
وعلى النقيض من الموافقة المؤقتة بشأن ضوابط بطاقة الهوية، عبّر مسئولون من مجلس الشورى ومن وزارات عن رفضهم للمقترح، مشيرين إلى احتمالية عدم تماشيه مع الدستور.
كما عبرت الحكومة، في خطاب توضيحي مرفق لمشروح القانون المقترح، عن مخاوفها من أن لا يتحمل العمال ضريبة التحويلات وإنما سيتم فرصها على الكفلاء، وبالتالي زيادة الأعباء على رجال الأعمال.
وشددت الحكومة على أن «مثل هذه الضريبة، سوف تؤثر بشكل كبير على الأجانب الذين يشغلون مناصب قيادية في الشركات والمصارف في البحرين، ومن الممكن أن تدفعهم للانتقال للعمل في بلد آخر».
وعبّر كثير من المقيمين في البحرين عن رفضهم لهذه الضريبة من خلال الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي قسم الرسائل في صحيفة غالف دايلي نيوز، كتب أحد المقيمين: «إن هذا ليس عادلا. إن الأجانب يكافحون من أجل تغطية مصاريف معيشتهم في ظل تزايد ارتفاع تكاليف المعيشة».
فيما شدد مقيم آخر بالقول: «يجب أن تفرض هذه (الضريبة) على المبالغ التي تتجاوز مستويات معينة وليس على التحويلات الصغيرة. فالبعض رواتبهم منخفضة، وهم يبعثون هذه المبالغ لعائلاتهم في بلدانهم. لذلك فإن تأثير ذلك سيكون سيئا على فئة منخفضي الدخل».
يشار هنا إلى أن العمال المهاجرين في البحرين وغالبيتهم من ذوي الدخول المنخفضة، يعانون أصلا من ركود الأجور وتكاليف المعيشة المرتفعة.
وفرض من هذه الضريبة من شأنه أن يلحق الضرر بكثيرين ممن يعانون سياسات الحكومة التي يتأثرون بها أكثر من غيرهم مثل ضريبة القيمة المضافة وخفض الدعم.
ويأتي التشريع المقترح في أعقاب دعوات متزايدة من المسئولين والمعلقين في دول الخليج، للحد من تدفق الأموال إلى الخارج بما في ذلك المقترحات المتكررة لفرض الضرائب على التحويلات المالية في الكويت.
وتضم المنطقة أعدادا كبيرة من العمال المهاجرين مما يجعلها واحدة من أكبر مصادر تحويلات المهاجرين في العالم.
في الوقت ذاته وافق النواب البحرينيون، مؤخراً، بالإجماع على تعديل قانون العمل لعام 2012، الذي يلغي مكافأة نهاية المدة لعمالة المنازل في حالة الهروب من موقع العمل.
وبحسب لجنة الخدمات بمجلس النواب، التي أوصت بالتعديلات، فإن مشروع القانون المقترح «يهدف لخفض هروب عمالة المنازل من خلال ردعهم بتشديد العقوبات، كذلك لحفظ حق صاحب العمل بينما يتم تشجيع توظيف عمالة المنازل.»
وبشكل مشابه لمشاريع القوانين المقترحة من قبل مجلس النواب، فإن هذا المشروع المقترح لا يستهدف أكثر الفئات ضعفاً وهشاشة في المجتمع فحسب، وإنما هو يكشف عدم العلم بالأوضاع الواقعية لعمال المنازل في البحرين.
وعدد من يحصلون على مستحقات نهاية الخدمة من عمالة المنازل قليل جدا بغض النظر عن ما إذا كانت هذه العمالة هاربة آم لا.
وبإمكان أصحاب العمل التهرب بسهولة من دفع مستحقات نهاية الخدمة وذلك لأن الوزارة ليست لديها أية إجراءات تنفيذية للتأكد من حصول عمالة المنازل على مستحقاتهم قبل مغادرة البلاد.
وحذر وزير العمل البحريني، جميل حميدان إن هذه الخطوة ستكون غير دستورية وتمييزية، مشيراً إلى أن تطبيق هذا المقترح من شأنه أن يفتح الباب لأصحاب العمل للتهرب من التزامهم بدفع مستحقات نهاية الخدمة لعمالة المنازل.
بالإضافة إلى ذلك، فشلت المناقشة في الاعتراف بأن عمالة المنازل «يهربون» في المقام الأول بسبب أوضاع العمل والمعيشة المسيئة والاستغلالية التي ترجع على الأقل لكون هذه الفئة من العمالة غير مشمولة بالكامل تحت مظلة قانون العمل.
وفي أعقاب الموافقة على مشروع القانون المقترح، عبّر المقيمون في البحرين الساخطون على القرار، عن مخاوفهم في قسم الرسائل بصحيفة غالف دايلي نيوز.
أحدهم ذكر «إن عمالة المنازل تتعرض للإساءة ولعدم دفع الأجور أو الأجور المنخفضة، وعندما يتركون مكان العمل، فذلك للهروب من بيـئة عمل مروعة. قوموا بتنفيذ قوانين تحميهم، لا أن تعرضهم للمزيد من العبودية الحديثة».
إن مشاريع القوانين المقترحة والخطابات المحيطة بها ليست سوى مسرحاً ليظهر فيه النواب بصورة المناصرين لحقوق المواطنين لكن العواقب المترتبة على ذلك تأثيرها واقعي وحقيقي جداً، إنهم لا يهملون معالجة الأسباب الكامنة وراء المشكلة القائمة فحسب، وإنما يميزون ضد المهاجرين ويجعلونهم أكثر عرضة للمزيد من الضرر.