يبدو لمراقبين أن التغيرات السياسية التي تعيشها المنطقة منذ رحيل دونالد ترامب “عرّاب التطبيع” عن سدة الحكم في الولايات المتحدة وصولا إلى انتصار المقاومة الفلسطينية أخيرا، قد وضعت النظام البحريني في موقف حرج ودفعته إلى إعادة التفكير بمشروع التقارب أكثر مع إسرائيل.
ويدور الحديث عن خلافات هي الأولى التي تقع بين إسرائيل وكل من البحرين والسودان، اللتين أعلنتا تطبيع علاقاتهما مع تل أبيب أواخر العام الماضي.
وأعلنت إسرائيل الاثنين 31 مايو، عن استيائها من دعم البحرين والسودان لقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات تل أبيب بقطاع غزة. وأكدت تل أبيب أنها كانت تتوقع من المنامة والخرطوم أن “يصوتا بخلاف ذلك”، وذلك وفق ما أفادت به صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.
الصحيفة أوضحت أن الخارجية الإسرائيلية أخبرت البحرين والسودان بأنها غير راضية عن طريقة تصويتهما، “التي لا تسهم في تعزيز السلام بالمنطقة”، حسب تعبيرها.
تضامن شعبي ورسمي
وتقول الصحيفة إن هذا الأمر يأتي في الوقت الذي يدور فيه الحديث عن خلافات هي الأولى بين “إسرائيل” وكل من البحرين والسودان اللتين أعلنتا تطبيع علاقاتهما مع تل أبيب أواخر العام الماضي.
والخميس، صوّت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (يضم 47 دولة) لصالح فتح تحقيق دولي في الانتهاكات التي ارتكبت خلال الصراع الذي استمر 11 يوماً بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة.
ورحبت وزارة الخارجية الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” بالقرار، فيما رفضته إسرائيل وأكدت أنها لن تتعاون معه.
ويشير مراقبون إلى أن التضامن الشعبي والرسمي الخليجي والعربي أظهر أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وما سبقه من انتهاكات لحقوق المقدسيين عبر تهجيرهم من بيوتهم في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، والاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى المبارك، يمثل فشلاً لسياسة التطبيع التي عملت إسرائيل على إنجاحها.
وخلال العدوان شددت البحرين، على لسان وزير خارجيتها عبد اللطيف بن راشد الزياني، بالاجتماع الطارئ لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، على أن المنامة تتمسك بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، مشدداً على ضرورة وقف التصعيد الحالي في الأراضي الفلسطينية.
كما تزامنت تصريحات الزياني مع تحرك شعبي غاضب تضامناً مع فلسطين ومطالبات بإعادة النظر باتفاقية التطبيع.
ويأتي هذا التغير في موقف البحرين أخيرا بعدما غابت الشهر الماضي وبشكل مفاجئ عن التصويت لصالح اعتماد قرار فلسطين حول حالة حقوق الإنسان وواجب ضمان المساءلة والعدالة.
واعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جلسته القرار الداعم لفلسطين. وسط غياب البحرين، التي طبعت علاقاتها الرسمية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي في سبتمبر الماضي.
وقد أثار هذا الغياب انتقادات فلسطينية وبحرينية حادة للنظام البحريني.
ويعتقد الكاتب والصحفي ماهر حجازي أن القرار البحريني والسوداني هو “قرار عابر”، وربما يأتي في إطار المواقف التي وصفها بـ”الخجولة” من هذه الدول المطبعة مع الاحتلال في ظل موقف عربي وإسلامي ودولي مندد بالعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وارتكابه أفظع الجرائم.
وأضاف: “يأتي موقف البحرين والسودان تحت ضغط أيضاً من شعوب هذه الدول، التي خرجت وأعلنت تضامنها مع الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني”.
وتابع في هذا السياق: “إن حكومات هذه الدول قالت إن اتفاقيات التطبيع هي لصالح الشعب الفلسطيني، ولكن ثبت العكس؛ إذ إن الاحتلال استخدم هذه الاتفاقيات ليمعن في العدوان على الشعب الفلسطيني والمقدسات في فلسطين”.
تغيرات دراماتيكية
وعلى صعيد متصل، انعكس رحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن السلطة، بشكل كبير، على جهود التطبيع التي رعاها خلال ولايته. حيث أشارت مصادر أمريكية لصحيفة “وول ستريت جورنال” في يناير الماضي، إلى أن 5 دول عربية علقت خططها للتطبيع مع “إسرائيل” بعد خسارته، بانتظار أجندة إدارة جو بايدن الجديدة.
وفي إسرائيل نفسها، يؤكد معظم المراقبين أن النهاية السياسيّة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باتت وشيكة، بعد إعلان زعيم المعارضة المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، يائير لابيد، نجاحه عند منتصف ليل الأربعاء الخميس نجاحه بتشكيلها.
ونتنياهو الذي تلقى هدايا كبيرة على المستوى السياسي من ترامب، ساعدته بالبقاء على هرم السلطة في إسرائيل، يعاني منذ نحو عام من عدة ملفات تعكر صفو سلطته، أبرزها قضايا الفساد التي تواجهه.
كما طغى على العلاقة بين نتنياهو وبايدن توتر ملحوظ، بسبب اختلاف الروئ حول عملية السلام في الشرق الأوسط والملف النووي الإيراني، حتى إن نتنياهو ذهب للتصريح علناً، يوم الثلاثاء 1 يونيو، بأنه “إذا اضطررنا للاختيار بين صداقتنا مع واشنطن وبين القضاء على تهديد وجودنا فسنختار القضاء على التهديد”.
وفي ظل هذه التغيرات إلى جانب تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة يرى حجازي، أنه من “المفترض أن تعيد هذه الدول حساباتها جيداً فيما يتعلق باتفاقيات التطبيع”.
وأشار إلى أن “التغيرات الكبيرة في الساحة الدولية لصالح الشعب الفلسطيني ومواقف دولية ضد الاحتلال، واتساع رقعة المقاطعة للاحتلال، وكذلك فتح جبهات قانونية في محكمة الجنايات ضد الاحتلال، بالإضافة إلى موقف عربي وإسلامي شعبي رافض للتطبيع”.
وشدد حجازي على أن استمرار هذه الدول المطبعة في علاقاتها مع الاحتلال، سيقودها إلى مستنقع خاسر.