واجهت البحرين انتقادات كبيرة بسبب قوانينها وممارساتها المحلية التي تنتهك الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان، لاسيما فيما يتعلق بحرية التجمع والتعبير.
واتهمت البحرين باستخدام الاعتقال التعسفي والمحاكمات غير العادلة بالإضافة إلى التعذيب والإهمال الطبي كأساليب انتقامية من المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
كذلك كان القضاء البحريني محط انتقاد بسبب عدم استقلاليته، بحسب منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB).
وقد أسفرت الانتقادات الأممية والدولية عن استجابة محدودة من قبل حكومة البحرين التي أنشأت وفقًا لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، مؤسسات مثل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في عام 2009، ووحدة التحقيقات الخاصة في عام 2012 بهدف حماية حقوق الإنسان والتحقيق في أي انتهاكات مرتبطة بها.
ورغم ذلك، فشلت هذه المؤسسات في القيام بالدور المنوط منها، وقد شاب عملها الكثير من الانتقادات. نظراً للانتهاكات المتكررة للقوانين والأعراف الدولية في البحرين، لا بد من إجراء تقييم نقدي للأطر القانونية الوطنية والدولية وآليات المحاسبة المتعلقة بها.
تقييم سيادة القانون في البحرين
على المستوى الوطني، أنشأت البحرين مؤسسات مثل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في عام 2009، ووحدة التحقيقات الخاصة في عام 2012 بهدف حماية حقوق الإنسان والتحقيق في أي انتهاكات مرتبطة بها، وفقا لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.
إلا أن هذه الهيئات واجهت انتقادات بسبب افتقارها للشفافية والاستقلالية عن الحكومة، حيث أعلنت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في عام 2018 ”أن المؤسسة تفتقر إلى الاستقلالية في أداء مهامها وتأسف لعدم وجود معلومات وافية أو تحقيقات دقيقة عن الشكاوى التي تلقتها.”
على الرغم من التعديلات التي قامت بها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان لتتماشى مع مبادئ باريس، إلا أنها لم تتحرك خلال السنوات الخمس الماضية بشكل كافٍ للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
بما في ذلك مزاعم التعذيب والمحاكمات الجائرة التي أدت إلى الإعدامات واضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان وقمع المعارضة.
علاوة على ذلك، اتُهمت المؤسسة بالانجراف نحو اعتبارات السياسية، مما قوض مصداقيتها كجهة رقابية لحقوق الإنسان ضمن نطاق البحرين.
وبالمثل، فإن وحدة التحقيقات الخاصة، المكلفة بالتحقيق في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة، متورطة ومنذ لحظة تأسيسها في عدم إجراء تحقيقات نزيهة خاصة في القضايا الحساسة سياسياً.
على مدى السنوات الخمس الماضية، أحالت وحدة التحقيق الخاصة ما معدله 7.72 في المئة من إجمالي الشكاوى التي تلقتها إلى المحاكم الجنائية، وأسفرت معظمها عن أحكام بالبراءة وأحكام مخففة، واستهدفت في المقام الأول الضباط المتهمين ذوي الرتب الدنيا.
علاوة على ذلك، لا تزال وحدة التحقيقات الخاصة تعمل ضمن التسلسل الهرمي لمكتب النيابة العامة وتبلغ عن إحصاءات عملها في التقرير السنوي لمكتب النيابة العامة، رغم أنه تم نقل الوحدة من مقر النيابة العامة إلى وزارة العدل والشؤون الإسلامية في مارس 2020.
كما أن العديد من موظفيها هم من المسؤولين السابقين في مكتب النيابة العامة أو منتدبين من وزارة الداخلية.
على نحو مماثل، أدت وثائق اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق حول الانتهاكات الواسعة النطاق التي ارتكبتها الحكومة ضد المتظاهرين إلى مقاضاة عدد قليل من أفراد الأمن المتورطين في هذه الادعاءات.
كما أن الإجراءات القضائية غير مرضية لأن معظم الضباط كانوا من ذوي الرتب المتدنية، وكثيراً ما أسفرت العديد من القضايا عن أحكام بالبراءة أو أحكام مخففة غير موازية لحجم الانتهاكات.
علاوة على ذلك، فإن التوصيات التي قدمتها هذه الهيئة، مثل التي تطلب من الحكومة اعتماد تدابير تشريعية تلزم النائب العام بالتحقيق في ادعاءات التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والاستعانة بخبراء مستقلين في الطب الشرعي من أجل ذلك، لم تطبق بشكل وافٍ.
بالإضافة إلى ذلك، كان القضاء البحريني محط انتقاد بسبب عدم استقلاليته، خاصة في القضايا المتعلقة بالمعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
رغم أن الدستور البحريني ينص على استقلالية السلطة القضائية، إلا أن سلطة الملك في تعيين وعزل القضاة والمدعين العامين تخالف هذا المبدأ.
ويفتقر القضاة، الذين غالباً ما يكونون من العائلة المالكة أو المتعاقدين الأجانب، إلى الأمن الوظيفي والاستقلالية في أحكامهم.
تؤدي العلاقة الوثيقة بين السلطة القضائية والنيابة العامة وقوات الأمن إلى نظام قضائي ضعيف يفشل بشكل روتيني في ضمان محاكمات عادلة وإجراءات قانونية سليمة.
كما أن البحرين اتُهمت باستخدام الإهمال الطبي كأداة للانتقام من السجناء السياسيين، منتهكة بذلك المعايير الدولية مثل قواعد مانديلا واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وتسلط حالة الدكتور عبد الجليل السنكيس، وهو مدافع بارز عن حقوق الإنسان وهو حاليا مضرب عن الطعام، الضوء على الاستخدام المتعمد للإهمال الطبي كإجراء عقابي.
أما على الصعيد الدولي، فقد لعبت آليات مثل الأمم المتحدة دورًا حاسمًا في تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين ومعالجتها.
وقد أصدرت هيئات مختلفة تابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي والعديد من المقررين الخاصين، تقارير تدين الاحتجاز التعسفي وسوء معاملة السجناء السياسيين، وتدعو إلى الإفراج الفوري عنهم وتعويضهم عن المعاملة غير القانونية التي تعرضوا لها.
رغم الجهود الدولية، لم تذعن البحرين في تنفيذ التوصيات لتواجه انتقادات عديدة بسبب الممارسات العنصرية المستمرة ضد الأقليات والمعارضين السياسيين.
أدى هذا الواقع للحد من تأثير المنظمات المدنية الحقوقية في الدعوة للضغط الدولي بسبب رفض البحرين للقيام بأي تدقيق وعدم التصديق على بعض البروتوكولات.
آليات المحاسبة في سبيل منع الانتهاكات
واجهت البحرين انتقادات كبيرة بسبب قوانينها وممارساتها المحلية التي تنتهك الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان، لاسيما فيما يتعلق بحرية التجمع والتعبير.
وقد طبقت السلطات البحرينية القانون رقم 32/2006 بشأن الاجتماعات العامة والمظاهرات والتجمعات إلى جانب المواد من 178 إلى 182 من قانون العقوبات البحريني، لتبرير الاعتقال والملاحقة والاحتجاز غير المشروع للمدافعين عن حقوق الإنسان.
وتفرض هذه القوانين قيوداً وعقوبات مفرطة تتعارض مع التزامات البحرين بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وقد كان لجهود المنظمات الدولية دور محوري في تسليط الضوء على هذه الانتهاكات بالإضافة إلى الضغط على البحرين من أجل التغيير.
ودأبت منظمات مثل منظمة مراقبة حقوق المحامين في كندا (LRWC)، منظمة صحفيون كنديون من أجل حرية التعبير (CJFE)، ومركز البحرين لحقوق الإنسان (BCHR) على تسليط الضوء على قمع التجمع السلمي والتعبير في البحرين.
وتظهر قضيتا نبيل رجب وزينب الخواجة بوضوح إساءة استخدام القوانين المحلية لقمع المعارضة. فقد سُجن رجب في يوليو/تموز 2012 لمشاركته في تجمعات اعتبرت غير مرخصة، وأعيد سجنه عدة مرات، بينما واجهت الخواجة اعتقالات ومضايقات متعددة بسبب احتجاجاتها السلمية.
وقد حوكم كلاهما بموجب القانون 32/2006 وقانون العقوبات، مما يعكس نمطاً من استخدام التشريعات المحلية لقمع الحريات الأساسية. نبيل رجب ليس معتقلاً حالياً، لكنه أدين عدة مرات خلال العقد الماضي. أما بالنسبة لزينب الخواجة فهي ليست معتقلة حالياً في البحرين، لكن والدها محكوم بالسجن المؤبد.
كان للهيئات الدولية دور فعال في ممارسة الضغط على البحرين لإصلاح قوانينها. فقد أوصت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي أنشئت استجابة لانتفاضات 2011، بمواءمة قوانينها الوطنية مع الالتزامات الدولية ومعالجة انتهاكات الحقوق المحمية.
بالإضافة إلى ذلك، اعتبر الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة أن الاعتقالات مثل اعتقال رجب والخواجة تعسفية، مؤكداً أن حبسهما ينتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
علاوة على ذلك، وخلال الاستعراض الدوري الشامل للبحرين في عام 2012، حثت عدة دول البحرين على تعديل قوانينها الوطنية لحماية حرية التجمع والتعبير وفقاً لالتزاماتها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وأوصى تقرير المراجعة الدورية الشاملة، الذي اعتمده مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بالإفراج عن الأفراد المحتجزين بسبب ممارستهم لهذه الحقوق وتعديل القوانين المقيدة لها. وعلى الرغم من قبول البحرين للتوصيات التي قدمتها دول مثل كندا، إلا أنها لم تنفذ بعد التغييرات اللازمة.
وفي معالجة تحديات حقوق الإنسان على الصعيد المحلي، هناك عدة مجالات رئيسية تستحق الاهتمام:
يتمثل أحد الجوانب الأساسية في إصلاح السلطة القضائية عبر عزلها عن التأثير السياسي. وينبغي أن تعطي هذه الإصلاحات الأولوية لتعيين القضاة على أساس الجدارة وضمان أمنهم الوظيفي.
تعزيز استقلالية وفعالية المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان: تمكين وتقوية مؤسسات مثل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان يحصل عبر منحها استقلالية وسلطة أكبر خلال التحقيق في الشكاوى بشكل مستقل.
لجعل القوانين الوطنية تتماشى مع المعايير الدولية، لا بد من مراجعة أو إلغاء القوانين التقييدية التي تحد من حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري تنفيذ كامل توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.
يجب وضع بروتوكولات لضمان حصول جميع المحتجزين على الرعاية الطبية المناسبة، إلى جانب إجراء مراجعات طبية مستقلة لمنع استغلال الإهمال الطبي كشكل من أشكال القمع.
وعلى الصعيد الدولي، هناك حاجة إلى تضافر الجهود على المستوى الدولي لتعزيز آليات المراقبة والمساءلة والدعم.
زيادة وتيرة ونطاق الزيارات التي يقوم بها المقررون الخاصون وفرق العمل التابعة للأمم المتحدة يمكن أن يعزز الآراء القيمة لتحسين وضع البحرين. لهذا، فإن ضمان امتثال البحرين لتوصيات هيئات معاهدات الأمم المتحدة أمر حيوي لتعزيز وتيرة المحاسبة.
استخدام أدوات مثل قانون ماغنيتسكي العالمي وعقوبات الاتحاد الأوروبي عبر فرض تدابير تستهدف المسؤولين البحرينيين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان يمكن أن يصبح بمثابة رادع. بالإضافة إلى ذلك، فإن فرض عقوبات على الشركات المتواطئة يعزز معايير المحاسبة.
توفير الحماية والدعم للمدافعين عن حقوق الإنسان على الصعيدين المحلي والدولي على حد سواء، من شأنه أن يرفع أصواتهم ويحمي دورهم الحاسم في الدعوة إلى التغيير.
تشجيع البحرين على التصديق على البروتوكولات الاختيارية للمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وتنفيذها، يعزز الإطار القانوني لمنع الانتهاكات ودعم إنشاء هيئات تحقيق مستقلة على المستوى الدولي، ويمكن أن يوفر آليات محايدة لمعالجة الانتهاكات.
وعليه تنطوي جهود البحرين لمنع انتهاكات حقوق الإنسان على مزيج من التقدم والتحديات المستمرة. في الوقت الذي تهدف مؤسسات مثل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ووحدة التحقيق الخاصة إلى معالجة مثل هذه القضايا، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة بشأن استقلاليتها وفعاليتها.
كما أن افتقار القضاء للاستقلالية يزيد من تعقيد الأمور، لا سيما في القضايا المتعلقة بالمعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وعلى الصعيد الدولي، سلطت منظمات دولية مثل الأمم المتحدة الضوء على الانتهاكات في البحرين ودعت إلى الإصلاح، إلا أن تمنّع البحرين لتنفيذ التوصيات يعيق هذا التقدم.