تمثل إدارة الجرائم الالكترونية الحكومية العدو الأول لحرية الرأي والتعبير في البحرين وعصا السلطات في وجه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد.
وبعد أشهر من بدء الأزمة السياسية الخانقة في البحرين عام 2011 وما تبعها من أحداث دامية، أنشأت الحكومة البحرينية إدارة جديدة في وزارة الداخلية تحت مسمى (الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني).
والمهمة المعلنة لهذه الإدارة كانت مكافحة جرائم القرصنة الإلكترونية واستغلال الأطفال في المواد الإباحية والمطاردة الإلكترونية والفيروسات وبرامج القرصنة والاحتيال على بطاقات الائتمان عبر الإنترنت.
لكن الواقع انتهى إلى أن هذه الإدارة تمثل “العصى الغليظة” التي تجر كل صاحب رأي من المواطنين إلى المحاكمة والسجن.
ولا يعرف البحرينيون هذه الإدارة بمسمّاها بل بمسمى “إدارة الجرائم الإلكترونية”. لكن ما هي الجرائم الإلكترونية التي تكافحها هذه الإدارة؟.
في الواقع إنها تكافح آراء المواطنين والمواطنات، تحصي عليهم أنفاسهم، حتى تقلص حجم البحرينيين الذي يكتبون على وسائل التواصل الاجتماعي بأسمائهم الحقيقية.
في العام 2014 أصدرت البحرين قانون رقم 60 لسنة 2014 الخاص بجرائم تقنية المعلومات، وبحسب تعبير مدير عام إدارة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني العميد بسام المعراج فإن هذا القانون “شمل كل أشكال التقنية المستخدمة لإنشاء ومعالجة وتخزين وتبادل واستخدام وعرض المعلومات بمختلف صيغها”.
الأخطر هو أن هذا القانون هو ربط أي جريمة ينص عليها بقوانين أخرى قاسية العقوبات، مثل قانون مكافحة الإرهاب، والقانون الخاص بالجرائم الجنائية، وقانون الصحافة والنشر.
تم ربط القانون الأساسي الذي تعمل وفقه هذه الإدارة وهو قانون جرائم تقنية المعلومات بمختلف القوانين ذات الطابع السياسي لتكتمل خطة إنشاء “العصا الغليظة” لضرب ساحة الآراء وإخضاع ذوي الشجاعة من المواطنين في إبداء آرائهم، وإيصالهم للسجن بكل سهولة.
وعلى مدار سنوات خرج الكثير من المواطنين في البحرين من منصة تويتر أو توقف تحديث حساباتهم على هذه المنصة وأصبحت غير فاعلة بسبب الخوف وبسبب القدرة التقنية الكبيرة التي تمتلكها إدارة الجرائم الإلكترونية للوصول للمغردين الذين لا يغردون بأسمائهم الحقيقة بل بأسماء مستعارة.
فقد رسمت الإجراءات الحكومية المتعسفة جدراناً سميكة للكلام المباح وحدوداً للمسموح وغير المسموح الخوض فيه.
ولتفادي الاعتقال فإنّ أصحاب الرأي المستقل أو المعارض صاروا يلجأون إلى انتقاء صيغ حذرة وموزونة بشدّة تعفيهم من الوقوع في دائرة استهداف إدارة الجرائم الإلكترونية.
وقد انخفضت حالات الانتهاكات لأن التعبير عن آراء ناقدة وجريئة أصبح أقل وعدد المنخرطين في النقاشات العامّة قد تراجع كثيراً.
مثال ذلك قياديو جمعية “الوفاق” الوطني الإسلامية المتواجدون داخل البلاد الذين يمتنعون عن إبداء أية آراء علنية حول الشأن العام على شبكة الإنترنت منذ حل الجمعية في 2016.
لقد كان هؤلاء يقودون أكبر جمعية سياسية في البلاد لكنهم الآن محكومون بالتعاطي مع الواقع المستجد الذي خلقته حملة القمع.
كان لافتاً خلال العام الماضي تمرير مجلس النواب مرسوماً يمنع على أعضاء مجلس النواب أنفسهم “توجيه النقد أو اللوم أو الاتهام” للحكومة، وهي خطوة تندرج في سياق العديد من الخطوات الأخرى التي جعلت انتقاد الحكومة وهيئاتها والقائمين عليها أمراً مكلفاً للغاية إذا لم يكن مستحيلاً.
ورغم ترويج السلطات البحرينية لمشروع العقوبات البديلة إلا أن المحكومين في القضايا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وخصوصًا من القيادات السياسية للمعارضة والصحافيين ونشطاء المجتمع المدني، لا يزالون مستثنين من هذا الإفراج المشروط.
يضاف لذلك أن البحرين لا تزال تمتنع عن إنصاف الصحافيين الذين أقدمت على إسقاط جنسياتهم خلال العام 2011 خلاف أحكام الدستور والقانون.
ومن ناحية الاختصاصات القانونية، لا ينص قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في البحرين الذي تعمل بموجبه إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية وينظّم عملها، على اختصاصها بأيّ شيء يتعلق بمراقبة الرأي على الإنترنت أو المحتوى السياسيّ ما عدا فقط المحتوى المتعلق بتداول أو نقل أو توزيع أو إرسال أو نشر أو إتاحة المواد الإباحية وخاصة الموجهة إلى الأطفال.
وهذه هي الحالة الوحيدة فقط المنصوص عليها تحت بند “الجرائم ذات الصلة بالمحتوى” – مادة 10. خلاف ذلك لا يوجد أيّة إشارة في القانون المذكور تمنحها أيّة سلطة على الرأي فضلاً عن مراقبته.
وحتى بالنسبة إلى أنواع الجرائم الست التي تدخل في نطاق عملها والتي تعرّف بها نفسها في واجهة موقعها على الإنترنت فإنه ليس هناك بينها أيّ نوع يشير إلى جرائم التعبير عن الرأي.
ويمكن القول إن عملية رصد وتوثيق كل إجراءات هذه الإدارة لخنق الرأي العام البحريني أصبحت عملية مربكة، لقد باتت إدارة الجرائم الإلكترونية الكرباج الأول والمفضل التي تضرب به السلطات الرسمية، أصحاب الرأي وتحاصرهم وتجرّم كل رأي يعلنونه.